مسارح لندن المتجددة!

هناك من يعتقد أن المسرح العربي يعاني أزمة، سواء على مستوى النص أو المخرج أو العرض أو الممثل أو المتفرج، وإذا كنا نتفق مع هذا الرأي بشكل جزئي، من خلال عقد مقارنة بين حال المسرح العالمي والعربي بدءاً من الخمسينات والستينات والسبعينات، وحال المسرح اليوم، فإن نظرة على عروض مسارح لندن تقول غير ذلك تماماً.

أمضيت إجازة قصيرة في لندن في نهاية شهر أغسطس الماضي، وخلال البحث عن العروض المسرحية فوجئت بالكم الكبير للعروض المسرحية، سواء التاريخية أو العروض الجديدة، ولأنني بصحبة زوجتي وابنتي الصغيرة، اخترنا الدخول إلى عروض تتناسب وسن طفلتي ذات السنوات الخمس. وكان البدء بعرض مسرحية « THE LION KING» أو «الملك الأسد»، ولو انطلقنا من كون المسرحية تركن إلى فيلم كبير من إنتاج شركة «والت دزني»، فإن العرض المسرحي الموسيقي كان ساحراً ومدهشاً بكل ما تحمل هاتان الكلمتان من معنى.

إن المسرح في أهم ما يقوم عليه كلقاء مباشر بين الفنان والمتفرج، إنما يعتمد على الإثارة بقدر ما يعتمد على التشويق والمتعة، وإن عرضاً كعرض «الملك الأسد» يحقق هذه المعادلة بامتياز. فإلى جانب القصة الموحية التي تُروى على لسان الحيوانات فإن خشبة المسرح بجميع عناصرها تبدو متفاعلة طوال مدة العرض: السينوغرافيا، إضاءات الليزر، الديكورات المتحركة، الخدع المسرحية، الموسيقى التصويرية، حركات الممثلين، ملابس الممثلين وماكياجهم وأخيراً العرض بتكامله وانسيابه وتداخل عناصره. كل ذلك مجتمعاً كان قادراً على فعل السحر في نفوس الكبار قبل الصغار.

المسرحية الثانية التي اصطحبنا صغيرتنا إليها هي مسرحية «MARY POPPINS» أو «ماري بوبنز» وتعتمد أيضا على فيلم ناجح ظل قادراً على استقطاب مشاهدين جدد طوال عقود. وإذا كان عرض الملك الأسد يحتمل اللعب على ثيمة قصة الأطفال فإن مسرحية «ماري بوبنز» كانت أكثر إثارة وروعة وقدرة

على شدّ أنظار المشاهدين الكبار وقلوبهم قبل الصغار، من خلال السينوغرافيا الجميلة والموحية، ومن خلال تألق أبطالها وتفاعلهم مع الجمهور، ومن خلال العرض الحي للفرقة الموسيقية المصاحبة والتناغم الكبير بينها وبين المؤدين، بما يخلق جسراً من المتعة والإثارة بين الجمهور والعرض.

المسرحية الثالثة كانت للكبار «THE PHANTOM OF THE OPERA» أو «شبح الأوبرا» والعرض بعامة إبهار مسرحيّ لا يمكن أن يُنسى، إن على مستوى الأداء الأوبرالي للممثلين بمرافقة من الفرقة الموسيقية، أو على مستوى السينوغرافيا أو الخدع المسرحية التي تقارب عروض السحر، أو على مستوى الديكورات المتحركة التي تخلق بيئات متنوعة بين البحر ودار الأوبرا، على نحو يخلد قصص الحب والوفاء ويخلق حالة من التفاعل بين الجمهور والعرض ويمجّد فعل المسرح في الحياة الإنسانية.

المسرحية الرابعة كانت «CHICAGO» وفيها عرض موسيقي حي يستغل خشبة المسرح لفرقة موسيقية ولعرض موسيقي راقص يشكل واحداً من أكثر العروض الاستعراضية التي استطاعت أن تستقطب جمهوراً متفاعلا معها أينما عُرضت حول العالم، ما أهّل العرض للبقاء حاضراً على امتداد العقود الأربعة.

كنت في جميع العروض التي حضرت متحسراً على حال المسرح في العالم العربي بعامة وفي الكويت بخاصة. فالمسرح الذي كان في وقت من الأوقات محل فخر واعتزاز، آل إلى التشتت والضياع والانحسار، الأمر الذي يستلزم وقفة مخلصة وجادة من جميع الغيورين على المسرح.