قبل أسابيع دفع الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري أحد رجاله ويدعى محمد الحكايمة إلى إصدار بيان مطول باسم «القاعدة في بلاد الكنانة» للهجوم على الدكتور فضل ومراجعاته الفكرية قبل أن تصدر، لكن المفاجأة هي أن الظواهري كان قد وجه رسالة إلى أعضاء التنظيم خصص جزءاً كبيراً منها لشن أعنف هجوم على شيخه من دون أن يسميه، ورغم أن وسائل إعلام عدة حللت وقتها رسالة الظواهري، فإن أحداً لم ينتبه إلى أهمية الجزء المخصص لانتقاد فضل.

Ad

وبعدما أصدر الدكتور فضل بياناً أعلن فيه اعتزامه إطلاق المراجعات من داخل السجن توجس زعماء الجهاد المنضمون إلى تنظيم القاعدة، وفي مقدمتهم أيمن الظواهري فأصدر شريطا مصورا من خلال شركة «السحاب» تطرق فيه إلى عدة أمور تتعلق بالعراق وفلسطين قبل أن يدس رسالته إلى أتباعه التي استهدفت دحض توجه المراجعات.

«الدروس المستفادة من العراق»

وانتقل الظواهري إلى ما أسماه الدروس المستفادة من الحال العراقية، واستخدمها تمهيدا للهجوم على أستاذه وفقيهه، فقال «إني قرأت فكاهة سخيفة في صحيفة الشرق الأوسط التي زعمت أنه وصلها بيان من أحد المتراجعين أرسله بالفاكس من السجن فضحكت في نفسي وقلت: هل زنازين السجون بمصر أصبحت بها فاكسات؟! وهل يا ترى ذلك الفاكس كان موصَّلاً بنفس خط آلة الصعق الكهربائي أم بخط منفصل؟! لذا إني أحذر إخواني المسلمين في كل مكان من أقوال وتراجعات خريجي السجون ونزلائها في الجزيرة ومصر واليمن والجزائر وإندونيسيا وسائر بلاد الإسلام، فهُم إما مكره تتراءى أمامه ذكريات التعذيب والجلد والتعليق والصعق، أو منهارٌ يائس يبحث عن مخرج من السجن وبقيةٍ من راحة، وكلاهما لا يُؤخذ منه قول ولا يُوثق منه برأي، وحتى إن خرج من السجن الصغير إلى السجن الكبير الذي لا يكف فيه الزبانية عن زيارة منزله ومراقبة سكناته وحركاته وتوجيه أقواله وأفعاله، وهذا السجن الكبير لم يفلت منه إخواننا اللاجئون في الغرب الصليبي الذين تؤرق منامهم رُؤاهم وهم مصفدون مقيدون مُقنَّعون مشحونون على طائرة الترحيل إلى بلاد القتل والتعذيب.

شبهات على ألسنة المتراجعين

وقد تساق بعض الشبهات على ألسنة المتراجعين فيقولون إن كثيراً من الأئمة كابن تيمية والسرخسي قد ألفوا في السجن ونبي الله يوسف عليه السلام دعا إلى التوحيد في السجن، نعم صحيح، ولكن لم ينقلبوا إلى الضد في السجن! فنبي الله يوسف عليه السلام دخل السجن مظلوماً ودعا إلى التوحيد فيه ورفض الخروج حتى يُقر من ظلمه بخطئه.

وابن تيمية دخل السجن بسبب جهره بالحق ولم يتزعزع بالسجن حتى مات مسجوناً في قلعة دمشق رحمه الله، وشمس الأئمة السرخسي دخل السجن بسبب نصيحته للخاقان ولم ينقلب في السجن ليخرج منه... وإني أهيب بهؤلاء أن ينبروا لعَلَم الدعوةِ والجهاد في هذا الزمان شيخنا المثابر المرابط عمر عبد الرحمن وهو في سجن المرض وسجن الأميركان، ومع ذلك أنزل الله عليه الثبات، وما زال كالجبل الأشم لم يتراجع ولم يتنازل رغم شدة البلاء فاسألوا الله أن يُعجِّل بفرجه وأن يعافيه من كل سوء.

«ليست معركة شريفة»

وأما قول البعض لا تنظروا إلى الظروف التي خرج منها كلامنا ولكن انظروا إلى أدلته وردوا عليه، فنقول لهم إننا وجميع المجاهدين منذ عقود نرد على هذه الشبهات قولاً وكتابةً وعملاً. بل كلامكم أنتم خيرُ ردٍّ عليكم، ولكن ليس هذا ما أركز عليه فإني لا أركز على كلام انتزع بالقهر ولكن أوضح للأمة المسلمة اللعبة القذرة التي تمارسها أميركا وعملاؤها، ولذا فإني أقول لهؤلاء الأعداء إن هذه ليست معركةً شريفة أن تنفردوا بأسيرٍ معزول ثم تعصروه عصراً جسدياً ونفسياً حتى يوافقكم ثم تُهللوا لذلك، لو كنتم رجالاً نازلوه بأنفسكم في ميدان الفكر والدعوة والإعلام وهي الميادين التي اعترفتم بأنفسكم بهزيمتكم فيها، وأقول لهم: أنتم الآن تمارسون ما كنتم تهاجمونه من وسائل غسيل الدماغ الشيوعية، فكفوا عن أكاذيبكم حول الحرية وحقوق الإنسان.

وأضاف الظواهري: أود الإشارة إلى أن المجاهدين ليسوا أبرياء من النقص والخطأ والزلل لأنهم بشر يصيبون ويخطئون كما يخطئ ويصيب البشر، وفي كلتا حاليهما عليهم أن يخضعوا للشريعة المطهرة، فإن الشريعة لم تتنزل إلى الملائكة ولكن تنزلت للبشر بخيرهم وشرهم، ولذا على المجاهدين أن يحلوا مشاكلهم في ما بينهم وأن يجدوا من أهل العقل والحكمة والإخلاص -وهم كثيرون بفضل الله- من يجمع ويوفق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحكم بالعدل. و نشرُ مشاكل المجاهدين على الملأ لا أرى فيه فائدة لهُم، بل أرى ضرره أكبر بكثير من نفعه، ولذا على الأحباب المجاهدين أن يشفق بعضهم على بعض ويرأف بعضهم ببعض ويتعهدوا هذا الجهاد كما تتعهد الأم ولدها الذي ينتقل من طور إلى طور، ولن ينصلح ما بين المجاهدين إلا بالتنازل والذلة من المؤمنين إلى المؤمنين، فعلى الجميع أن يوطنوا أنفسهم على أن يذلوها لإخوانهم.

الهجوم على سيد إمام

ولم يستمر هجوم تنظيم القاعدة ضد الشيخ سيد إمام مستترا أو بالتلميح فقط، ولكن بيانا من 9 نقاط صدر عما يسمى بالمكتب الإعلامي لتنظيم القاعدة في ارض الكنانة، تناول موقف القاعدة من وثيقة ترشيد العمل الجهادي التي كتبها الشيخ سيد إمام، وفي النقطة الأولى قال محمد الحكايمة الذي قدمه الظواهري من قبل باعتباره مسؤول «القاعدة» في مصر تحت عنوان «حقائق ومسلمات: إن الأبحاث الشرعية الجديدة الصادرة من وراء شمس الحرية ما هي إلا نتاج مشروع استراتيجي للمخابرات المصرية قد شرعت للعمل فيه قبل عشرة أعوام في محاولة منها للقضاء على الفكر الجهادي في مصر، والذي خطط لها وأشرف عليها رئيس قسم النشاط الديني في مباحث أمن الدولة والذي حل محل اللواء رؤوف خيرت الذي اغتالته الجماعة الإسلامية في عام 1994، وأُطلق عليها خطة الاستقطاب والحوار أي اضرب بقوة ولكن في الوقت نفسه لا مانع من أن تحاور، ولكن شرط ان تستقطب أنت من تحاوره إلى ما تريده.

وأضاف إن اللواء فؤاد علام نائب مدير مباحث أمن الدولة الأسبق صرح بأن الدولة (في مصر) لن تقبل بأي مبادرة فكرية من داخل السجون إلا بأبحاث جديدة وقال «كما خرجوا علينا بأبحاث شرعية فلا بد أن يرجعوا بأبحاث شرعية» كذلك صرح حبيب العادلي وزير الداخلية الحالي أكثر من مرة (بأنه يقوم حالياً بعملية ترويض للإرهابيين داخل السجون المصرية) وما عزل الشيخ عبود الزمر (فك الله أسره) عن قيادات الجماعة الإسلامية وهو أحد أعضاء مجلس الشورى فيها واعلان وجود الشيخ محمد الظواهري (فك الله أسره) في السجون المصرية بعد إنكار دام عدة سنوات واعتقال الدكتور سيد إمام في اليمن بالرغم من علمهم المسبق باستقالته من جماعة الجهاد وطلبوا تسلمه بعد أسبوع من اعتقاله ما هي إلا حلقات في ذلك المشروع المخابراتي ودليل على وجود مخطط خاص بملف جماعة الجهاد بعد الانتهاء من ملف الجماعة الإسلامية.

منهج جماعة الجهاد

وعاد البيان ليؤكد في النقطة السادسة على أن الاجتهادات الواردة في الوثيقة الخاصة بالدكتور سيد إمام التي قالوا عنها تخص منهج جماعة الجهاد وعمليات تنظيم القاعدة من المؤكد أنها تمت خلف القضبان بعيداً عن واقع الجهاد وواقع التنظيم فالجميع يعلم أن الشيخ قد اعتزل العمل مع المجاهدين ومتابعة واقعهم منذ عام 1995، وأنه تفرغ للعمل كطبيب في اليمن حتى قام الأمن السياسي في اليمن باعتقاله وتسليمه إلى مصر في عام 2003، فلم يصل الشيخ أي أخبار خاصة عن واقع المجاهدين وتنظيم القاعدة إلا من خلال ما ينشر على صفحات الجرائد أو المذياع.

وقللت النقطة السابعة من قيمة ومرجعية الشيخ سيد في تنظيم الجهاد حيث قال البيان: ليس صحيحاً البتة ما زعمه الدكتور ناجح إبراهيم مدير موقع الجماعة الإسلامية في بياناته الأخيرة (من أن الدكتور سيد إمام أول قيادة علمية فقهية في القاعدة والجهاد يجري مراجعات شاملة لفكر هذين التنظيمين) أو (أنه منظر ومفكر القاعدة الأساسي) فالكل يعلم أن الدكتور سيد إمام لم ينضم في يوم من الأيام إلى تنظيم القاعدة وأول من انضم إلى القاعدة من جماعة الجهاد هو الدكتور أيمن الظواهري وكان ذلك بعد استقالة الشيخ سيد إمام من قيادة جماعة الجهاد، وبالرغم من أن تنظيم القاعدة كان ولا يزال يُكن كل حب وتقدير لكل علماء الحركة الإسلامية عامة وللدكتور سيد إمام خاصة وبالرغم من تدريس كتاب (العمدة) في معسكرات القاعدة فإن هذا ليس دليلاً على انضمام الدكتور سيد إلى التنظيم أو كان أحد مفكريها، وإننا في هذا الصدد لنؤكد أن منظري القاعدة ومفكريها الأساسيين هما الشيخ أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري (حفظهما الله) ولا أحد سواهما، وأن ما يصدر منهما من إصدارات وتوجيهات يمثل فكر القاعدة ومنهجها.