فرعية... بني عبس!
الانتخابات الفرعية تقوم على النظرة الضيقة لأبناء كل قبيلة، والمهم هو مصلحة القبيلة ومصلحة أبنائها بالدرجة الأولى، أما الباقون ليشربوا من البحر إن أرادوا، وهنا المصيبة، فالوطن بالنسبة لبعضهم أصبح القبيلة والشعب هم أفرادها! فيا سادتنا الكرام، لسنا في «شاعر المليون» لنفزع لابن القبيلة وابن الفخذ وابن «الكوع».
مع أننا نقتني أحدث السيارات و«اللاب توب» و«الآي بود»، ونبحث عن الماركات العالمية، ويتفنن شبابنا بلبس الجينز وقصات الشعر الغريبة، حتى ليبدو أحدهم بشعره الواقف المنفوش، كأن عفريتا قد داهمه في ليلة ظلماء، ونتابع آخر الأفلام العالمية، وغرامنا الجلوس في مقهى «ستار بكس»، ونعشق مشاهدة قنوات الديسكفري، وخريجو الجامعة لدينا أكثر من الهم على القلب، يعني - بسم الله ما شاء الله- ناس متعلمون، متطورون، متحضرون، وآخر موضة!لكن للأسف الشديد لو عمل أحدنا أشعة لدماغه، قبل أن يختار مرشحه للانتخابات، لوجد في داخله بيت («شعر مهترئ، جم بعير، دلال قهوة قديمة، وجه متلهف للغزو، بشت وفرو وبرقع، وبعض الحواديت الشعبية كـ«داحس والغبراء» و«راس غليص» و«بطيحان»، وبيت شعر جاهلي «إذا بلغ الفطام لنا صبي... تخر له الجبابر ساجدينا» و«ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل»)!هذا على الأقل ما تثبته لنا «الفزعات» المستمرة، في كل الانتخابات، سواء أكانت انتخابات جمعية أو نادٍ أو مجلس بلدي أو برلمان، فالتوجه واحد «قبيلتك قبيلتك من لا قبيلة له... كداخل إلى الهيجا بغير سلاح»! فهل أنا بكلامي هذا أسخر من «البداوة»؟! وهل تجاوزت الحدود يا ترى؟! حاشا لله، ما أنا بساخر من نفسي، فأنا ابن البداوة التي كانت ومازالت مصدر اعتزاز وفخر، لا عار يتبرأ منه، وهي أصلنا وتاريخنا وحبها مغروس في عظامنا، شئنا ذلك أم أبينا، وقد ورثتنا الكرم والنخوة والشهامة، والصبر والإيمان والرضا بالقضاء والتراحم ونصرة المظلوم، فليست البداوة شيئاً «يستعر» منه أبدا، بل يفتخر به!وكلنا أبناء قبائل عريقة، لم ينبت أحد من الأرض لا البدوي ولا الحضري، وكل العائلات المعروفة تقريبا تنحدر من قبيلة من القبائل، وكل من يحب أبناء قبيلته ويراهم كرام الناس وخيارهم، دون استنقاص لباقي القبائل، ولا بأس بذلك ولا عيب، إنما العيب أن نعيش في الماضي، في زمن أجدادنا، وأن نلتحف بالقبيلة دون الوطن، وأن تحتل المساحة العظمى في قلوبنا، وأن ننتصر لها في معركة الضمائر، وأن تتواجه القبيلة مع الوطن فيكون الخيار للقبيلة، وأن نفضل أن نكون جزءاً من القبيلة على أن تكون جزءاً من الوطن، هنا العيب وهنا الخطأ وهنا ما لا يجب أن يكون!ثم بعد أن تنتصر القبيلة في أعماقنا، نبدأ معركة «الفخوذ»، في صراع شعاره «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب»، فنختار من هو من «فخذنا» حتى إن لم يكن الأفضل، ونترك صاحب الكفاءة لأنه من «فخذ» آخر، وبهذا يصل إلى البرلمان من لا يستحق، وكله على حساب الوطن ومستقبل أبنائه، فالانتخابات الفرعية تقوم على النظرة الضيقة لأبناء كل قبيلة، والمهم هو مصلحة القبيلة ومصلحة أبنائها بالدرجة الأولى و«طز» في الباقين، ليشربوا من البحر إن أرادوا، وهنا المصيبة، فالوطن بالنسبة لبعضهم أصبح القبيلة والشعب هم أفرادها!فيا سادتنا الكرام، لسنا في «شاعر المليون» لنفزع لابن القبيلة وابن الفخذ وابن «الكوع»، إن كان ابن القبيلة كفؤا فانتخبوه، وإن كان ليس كذلك فلا تجاملوه، فلا مجاملة في أمور تخص الوطن ومستقبله، وفي الآخر أنتم الرابحون وأنتم الخاسرون، بوجود مجلس أمة قوي يضم مجموعة من الوطنيين أو ضعيف أغلبه من الوصوليين المتنفعين، حتى إن كانوا من الإخوة وأبناء العم!أما الإخوة الأعزاء أصحاب «الدشاديش القصيرة واللحى والسواك» وكل قشر من قشور الدين، الذين يرعى بعضهم ويشرف على هذه الفرعيات، فعليهم أن يتذكروا أنها تقوم على العصبية القبلية، والرسول عليه الصلاة والسلام قال عنها اتركوها فإنها منتنة، وعلى الظلم الذي قال إنه ظلمات يوم القيامة، هذا إن كان كلام النبي يردعكم عن الأهواء والرغبات والأطماع!* أحد الأصدقاء الخبثاء، حدثته عن فكرة المقال قبل نشره، فصمت قليلا وسألني: «لو أن قبيلة «بني عبس» أجرت انتخابات فرعية من ينجح «عنترة» أم «عمارة الزيادي» اللي ما تنطفي له نار، واللي حارب الاستعمار، لين خلاه يدش في الغار»، قلت له «كله يعتمد على حجم الفخذ»!