ناطور إعصارها
كل القصائد تكتب لامرأة. كل ما يحكى, كل ما يقال, لها, عنها وحولها. الشعر والغناء والموسيقى طعم لاستدرار عواطفها. صنارة لاصطياد مشاعرها. فخ الوقوع في حبائل الحب وشبكة الغرام. الشعراء في اشتعال القصيدة رهينة ربة الإلهام. امرأة تدوّم الريح وتهب بالعواصف. تقتلع الركود وتهز الكيان, تخلخله, تكشط صدأ الوقت الضائع وسأمه. الزمن الهارب من القصيدة العصية على الشاعر المسكون بالانتظار. ناطور اعصارها المتعطش لزلزال الانفعالات, رهين احتدام نار المواطن وتوليد الكلام. ليأتي بجذوة الشعر, ليمتح ماء القصيدة من أعماق بئر الصمت الغائرة في متاهات الغموض والعقم. ليس هناك إلا أنثى تأتي به وبفيضان الكتابة. قمة امرأة مطلوبة لتفجير الموهبة والالهام ونزع الفتيل. في غرامها تشتعل الكلمات, وفي هجرها تنبجس ينابيع الكتابة.
في البداية والنهاية هي مطلوبة لإشعال الحرائق والإتيان بجمر الابداع. كأنها ليست إلا سبباً وليست غاية. هي مولد للغاية وحين ينتهي مفعولها، يبدأ البحث عن المفجر التالي. ولذلك كان الشعر أعذبه أكذبه, وأقصره عمراً ما يرتبط بالمرأة وبزمن هرمونات طائش قصير. الشعر لا ينضب، ولكن الشعراء ينضبون، حين يضيق أفق القصيدة وتصبح سماؤها وأرضها أنثى تؤجج هرمونات شباب زائل ومشاعر محمومة في اختيال كاذب ونفوق سريع. أروع القصائد العالمية كتبت في عظمة الكون, سر الكينونة ومغزل الوجود. التأمل فينا وخارجنا. الإنصات إلى هدأة الريح وقيام الزوابع. دبيب السكون في صحرائنا الداخلية، وشيوع سكون الأبدية، اللامتناهي حولنا. الصامت المتألق في ثرثرة حضوره. الباذخ في اكتمال عطائه. السخي في طرح كنوزه واللقى لمن ملك براءة التلقي. المسكون بالدهشة وعفوية السؤال وفضول المعرفة. حولنا بحر وصحراء تنتزع الآهة من القلب. تنتظر منا العين البريئة والعقل المتأمل والقلب المتعطش. نحن الصحراويون نبات هذه الأرض، جئنا من صرامة قوانينها وصلادة طبعها ورحابة أفقها. صحراويون وإن تحضرنا. الصحراء تسكننا، تسكن ماضينا، تشكلنا كيفما تريد, نسكن رجمها شئنا أم أبينا. بيننا وبينها ملامسة الأم للجنين, الاحتضان السري الغامض. السبب القاحل في الصيف وذروة البذخ في الربيع. ونحن في خيامنا نتلقى كرمها بغطرسة تحصيل حاصل. نعيش على أودها, كنوز أعماقها, وما اختزنته من حب لنا. فهل تتجه لها القصائد؟ وهل ينتبه الشعراء إلى تعدد منابع القصيد؟ وامتداد عمر الشعلة, وكذبة نضوب الشاعر.