Ad

الحقيقة أنه بالرغم من كل ما يقال عن عودة «فتح» القوية إلى غزة فإن خروج فلسطينيي «القطاع» بكل هذه الأعداد هو ليس حباً في «فتح» بل كرهٌ لـ«حماس»، وذلك على غرار ما جرى في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، ولكن بمعادلة مقلوبة، إذ أعطى الناس أصواتهم لحركة المقاومة الإسلامية ليس حباً فيها وإنما اعتراض على ممارسات السلطة الوطنية وعلى فسادها وترهلها!

ما جرى يوم الاثنين الماضي، عندما هاجمت ميليشيات «حماس» المسلحة عشرات الألوف من الفلسطينيين الذين تجمعوا في ميدان «الكتيبة» في وسط غزة لإحياء الذكرى الثالثة لرحيل ياسر عرفات، وقتلت عدداً منهم وجرحت العشرات، لم يأت مفاجئاً ولا غير متوقع، فالعلاقة بين الحركتين الفلسطينيتين الرئيسيتين غدت إلغائية، فكل واحدة منهما باتت تنظر إلى الثانية على أنها العدو الأول الذي يجب عدم تفويت أي فرصة للقضاء عليه.

لم تعد حركة «حماس»، التي غدا لها كيانها ودولتها بعد انقلاب يونيو الماضي، تطيق أي وجود لحركة «فتح» في قطاع غزة، ولم تعد حركة «فتح» بدورها تقبل بأي وجود لحركة «حماس» في جمهورية رام الله، ولعل ما قاله الزهار، في تصريحات نارية وعنترية أطلقها قبل أيام «إذا انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية فإننا سنفعل فيها ما فعلناه في غزة»، يدل على أن العلاقة بين هاتين الحركتين أصبحت تناقضية وإلغائية ولم تعد تقتصر على الخلافات «التعارضية»!!

قبل هذا الذي قاله محمود الزهار كان خالد مشعل قد أطلق تصريحات خلال مؤتمر صحفي عقده في دمشق وعد فيه بإفشال مؤتمر «أنابوليس» وإذا تم الربط بين هذه التصريحات والمعلومات التي تتحدث عن قنوات اتصالٍ خلفية بين «حماس» وإسرائيل فإنه يصبح واضحاً كل الوضوح أن كل ما قامت به حركة المقاومة الإسلامية سابقاً ولاحقاً هدفه وراثة منظمة التحرير وحركة «فتح» وأخذ مكانهما في المفاوضات والسيطرة على مقاليد الأمور في السلطة الوطنية و«أخذ الجمل بما حمل»!!

منذ أن بدأت «حماس» سلسلة العمليات الانتحارية التي ضاعفتها بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة ومنذ تحويل الانتفاضة الأخيرة، انتفاضة الأقصى، إلى مواجهة عسكرية كان واضحاً أن الهدف هو الإثبات للإسرائيليين والأميركيين أنهم إن هم أرادوا أمناً فإنها هي وحدها، وليس غيرها، القادرة على توفيره لهم، وأنهم إن هم أرادوا سلاماً فإنها هي الوحيدة وليس غيرها القادرة على إبرام مثل هذا السلام والقادرة على حمايته.

كان الإسرائيليون، الذين يريدون التخلص من المفاوض الفلسطيني المقبول، يراقبون ما تفعله «حماس» في غزة والضفة الغربية بارتياح غامر وكانوا يتدخلون في بعض الأحيان للقيام ببعض الاغتيالات وبعض الغارات النوعية لمنع مجريات الأمور من الخروج عن سيطرتهم، والحقيقة أنهم نجحوا في كل مراهناتهم على هذا الصعيد، إذْ انتهت الأمور إلى دولة في غزة ودولة في الضفة الغربية، وبات العداء بين هاتين الدولتين أكثر تناحرية وحدَّة من الذي كان بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية في زمن الحرب الباردة وصراع المعسكرات الذي كان بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.

كانت تظاهرات غزة التي قُمِعتْ بأساليب بدائية ودموية يوم الاثنين الماضي، اختباراً للقوة بين «فتح» و«حماس»، فالأولى عندما رأت نحو مليون فلسطيني يسيرون خلف أعلامها ويهتفون لمؤسسها الراحل (عرفات) شعرت بأنها لم تعد مستضعفة في هذه المنطقة وأنها قادرة على التخلص من غريمتها بانقلاب شعبي وليس عسكرياً، والثانية التي أرعبها أن ترى كل ذلك الحشد الهائل من الجماهير الفلسطينية يسير خلف الأعلام الفتحاوية ففقدت صوابها وأحست بأن مياه بحر غزة وصلت إلى ذقون شيوخها فقامت بما قامت به لتضع حداً لهذا التوجه ولتردعه بالقوة العسكرية.

والحقيقة أنه بالرغم من كل ما يقال عن عودة «فتح» القوية إلى غزة فإن خروج فلسطينيي «القطاع» بكل هذه الأعداد ليس حباً في «فتح» بل كرهٌ لـ«حماس»، وذلك على غرار ما جرى في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، ولكن بمعادلة مقلوبة، إذ أعطى الناس أصواتهم لحركة المقاومة الإسلامية ليس حباً فيها وإنما اعتراض على ممارسات السلطة الوطنية وفسادها وترهلها!

* كاتب وسياسي أردني