غياب التربية عن حقوق الطفل هو إفساح المكان لثقافة العنف، بما يعني من غياب التأسيس لاحترام الآخر والاختلاف والتعبير الحر عن الذات، وبما تنطوي عليه تلك الحقوق من مبادئ الديموقراطية والتسامح والحرية.التفجير الإرهابي الذي وقع قرب مدينة كركوك في العراق أول أيام العيد، يبعث على الجنون، فالانتحاري استخدم عربة حلوى لجذب الأطفال الصغار في ساحة العيد، أما لماذا استهداف الأطفال في عيدهم، وأي قسوة ركبته وأي شيطان فكر بعقله، فهذا ما قد تعجز عن تفسيره أمم الأرض مجتمعة، لكن حتى قبل أن يصبح الأطفال هدفاً للإرهاب، فقد استخدموا هم أنفسهم في صناعته مرات كثيرة.
أحد التفجيرات الانتحارية التي وقعت في باكستان منذ مدة، نفذها مراهق قدرت الشرطة عمره ما بين 14 إلى 15 سنة، إذ أودى الانفجار بحياة ثمانية عشر شخصاً، لو جمعت أعمارهم لبلغت عشرات أضعاف عمر الانتحاري الصغير.
وبالمثل، قام «أبو مصعب الزرقاوي العاصمي» ابن الخمسة عشر عاما، بتفجير انتحاري في الجزائر أخيراً، والصحافة الجزائرية تناولت جانباً من حياة هذا المراهق، الذي غادر مقاعد الدراسة قبل أسابيع قليلة من امتحانات المرحلة الإعدادية، ورحل إلى حيث يتعلم كيف يموت ويقتل في الوقت نفسه، هذا بالنسبة إلينا، أما بالنسبة إليه، فلابد أنه رحل إلى حيث يصبح رجلاً، «مجاهداً»، يثير غيرة رفاق مدرسته، وفخر أبويه بإنجازاته «الجهادية» التي سيحققها باكراً جداً.
تحقيقات أجهزة الأمن الجزائرية، تشير إلى أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» قد تمكن من تجنيد عشرات الأطفال والمراهقين، ليكونوا انتحاريي المستقبل.
تجنيد القاعدة للمراهقين ليس جديداً، فقبل سنوات جرى الحديث أيضا عن قيام التنظيم بتجنيد مراهقين في المملكة العربية السعودية، كما لا ننسى أن التنظيمات الفلسطينية المختلفة التي كانت تلجأ إلى العمليات الانتحارية في فلسطين المحتلة، كان بعض أعضائها المنفذين هم من المراهقين، ولسنا هنا نضع المقاومة الفلسطينية في كفة واحدة مع تنظيم إرهابي -بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع أساليب تلك المقاومة- لكن تحرير الأرض لا يشرع انتهاك حقوق الأطفال والمراهقين ويحولهم إلى قنابل بشرية.
وعلى أي حال، فإذا كانت هذه التنظيمات الإرهابية أو السياسية التي تعتمد العمل العنفي، قادرة على تجنيد رجال بالغين راشدين، فليس بغريب أن تجذب إلى صفوفها من هم في السن الأكثر حساسية وخطورة. وربما يمكن أن نضيف عامل حداثة السن لدى المجندين من أجل أعمال عنفية، إلى سلسلة العوامل والأسباب المشكلة لهذه الظاهرة، لاسيما مع غياب مبادئ حقوق الطفل عن معظم مناهجنا التربوية، في الوقت الذي تكرس فيه جملة واجبات وأنماط سلوكية من شأنها أن تخلق ما يعتقد أنه الطفل «النموذجي» عربياً، وهو فقط الطفل المجتهد دراسياً والمقيد سلوكياً بسلسلة من الواجبات والمحظورات، وطبيعي أن مبادئ حقوق الطفل هي جزء من منظومة حقوق الإنسان الأشمل والأوسع، وتدريسها للأطفال بأساليب مبتكرة، من شأنه أن يؤسس لقيم معينة لديهم من أهمها قيمة الحياة... حياة الطفل وحياة الآخرين، هذا فضلاً عن تنمية شخصية الطفل وقدراته العقلية ومواهبه، عبر احترام حقوقه في التعبير والمشاركة، وبما يساهم في تنمية روح الجماعة والحس البناء بالمسؤولية لديه.
غياب التربية عن حقوق الطفل هو في وجهه الآخر إفساح المكان لثقافة العنف، بما يعني من غياب التأسيس لاحترام الآخر والاختلاف والتعبير الحر عن الذات، وبما تنطوي عليه تلك الحقوق من مبادئ الديموقراطية والتسامح والحرية.
يتم التعامل مع الطفل في جميع مراحل نموه بشكل يتجاهل التغيرات الكبيرة التي تطرأ عليه نفسياً وفيسيولوجياً. في الأغلب لا الأهل ولا المدرسة يحيطان المراهق علماً بتفاصيل فترة هذه المرحلة الحساسة ومساعدته على اجتيازها بأقل هزات ممكنة.
التعامل الأمني مع المراهقين الذين يتورطون في تيارات تحمل فكراً متطرفاً، لا يختلف في أحيان كثيرة عن التعامل مع البالغين، وهو ما يشكل غالباً عاملاً أساسياً في دفع المراهق إلى الحد الأقصى من الغلو والتطرف، كرد فعل طبيعي في سنه تلك على ما يواجهه من قسوة في المعاملة.
التعامل مع نتائج الظاهرة وليس مع أسبابها، يشتت فرص معالجتها ويزيد حتى من احتمالات مضاعفتها، بينما الشواهد أكثر من أن تعد أو تحصى، ولا بد أن تتوارد مثل هذه الأفكار إلى ذهن من قد شاهد أخيراً برنامج صناعة الموت على قناة العربية الفضائية، حول المسؤول الثاني في حركة فتح الإسلام أبو هريرة (شهاب قدور). هذا الأخير اعتقل -وفقاً لشقيقته- عندما كان في الثالثة عشرة من عمره تسع سنوات في السجون السورية، فصلت بينها ثلاثة أشهر فقط من الحرية، ووفقاً لما تصف، فقد خرج وآثار التعذيب لم تغب بعد عن جسده، بينما تحول الطفل الذي كان مسالماً إلى شخص أكثر تعصباً وتشدداً، ترى إلى أي حد تقع مسؤولية خلق إرهابي من هذا الطفل، على من أحاطوا به، مجتمعاً وسلطة؟!
* كاتبة سورية