Ad

احتوى الميثاق على 53 مادة ووردت فيه إشارات مهمة إلى: «الأمة العربية» وقيمها الروحية و«مبادئ الدين الإسلامي» الحنيف والديانات السماوية الأخرى، وكذلك وردت إشارة متميزة عن جميع مواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، على اعتبار أن العنصرية والصهيونية تشكلان انتهاكاً لحقوق الإنسان.

في 15 مارس 2008 دخل الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيّز النفاذ بعد أن صادقت عليه سبع دول عربية هي: الأردن ولبنان والبحرين وسورية وفلسطين وليبيا ودولة الإمارات العربية.

وقبل شهرين من هذا التاريخ أي في 15 يناير كانت وثيقة الإيداع لدى جامعة الدول العربية، بعد المصادقة السابعة على الميثاق، الذي أقرته القمة العربية المنعقدة في تونس يوم 23 مايو 2004، وذلك طبقاً للمادة 49 (الفقرة الثالثة).

ويفترض بدخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيّز النفاذ كوثيقة إقليمية، تهيئة بعض المستلزمات لمقاربة الشرعة الدولية لحقوق الانسان تساوقاً مع العديد من المواثيق الاقليمية والدولية، لاسيما أن للميثاق قوة قانونية «أدبية»، خصوصاً على الدول المصادقة عليه، إضافة الى كون مبادئ حقوق الانسان على المستوى الدولي تعتبر مبادئ ملزمة وآمرة وكما يطلق عليها في اللاتينية Jus Cogens أي مبادئ واجبة الأداء.

وقد اعتمدت شرعة حقوق الإنسان «مبادئ مستقلة» منذ ميثاق هلسنكي لعام 1975 للأمن والتعاون الأوروبي، الذي هو وثيقة دولية جماعية اشتراعية ( أي منشئة لقواعد قانونية جديدة أو مثبتة لها) شاركت فيها 33 دولة أوروبية إضافة الى الولايات المتحدة وكندا، على الرغم من ورود مبادئ حقوق الانسان في ميثاق الامم المتحدة لسبع مرات، خصوصاً في الديباجة وفي المادة الاولى والمادة الخامسة والخمسين.

جدير بالذكر أن إقرار الميثاق العربي لحقوق الانسان لم يمر من دون اعتراضات وتحفظات ومعاناة، حيث كان ينام ويستيقظ، حتى تم إبرامه بصيغته الجديدة في العام 2004، بعد تعديلات جوهرية أدخلها خبراء عرب وعدد من مؤسسات المجتمع المدني على الصيغة الاولى التي أقرت في 12 سبتمبر 1994 بعد رحلة طويلة ومضنية دامت نحو 23 عاماً، حين تقرر وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان في العام 1971 بتكليف من جامعة الدول العربية.

وتعود فكرة الميثاق الى أن اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان التي تم تشكيلها في 3 سبتمبر 1968 اختصت بحقوق الانسان الفلسطيني، ولاسيما بعد العام 1967، كانت قد اقترحت عام 1969 وضع ميثاق عربي لحقوق الانسان، واستمرت تلك الرحلة الشائكة لتنجز مشروعاً لم تتم المصادقة عليه ولم يدخل حيّز النفاذ إضافة الى تحفظات العديد من البلدان عليه، رغم أنها صيغة لا ترتقي إلى معايير الحد الأدنى للشرعة الدولية.

لا بد هنا من التنويه إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية كان قد صدر قبل ميثاق الأمم المتحدة وأقرّ في 21 مارس 1945 وخلا من أي إشارة الى حقوق الإنسان، لاسيما أن هذه الفكرة لم تكن منتشرة في الوطن العربي في ظل أنظمة محافظة أو واقعة تحت الاستعمار أو الهيمنة الخارجية.

وحينما قررت الأمم المتحدة بعد مرور 20 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 عقد مؤتمر طهران الدولي استجابت جامعة الدول العربية الى طلبها للمشاركة في الجهود الدولية الحافلة بالعديد من النشاطات ومنها تشكيل اللجنة الدائمة المشار اليها.

ومن المفارقات المثيرة أن كلاً من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية تلقت صدور الميثاق في العام 1994 ببرود شديد وبأجواء أقرب الى الرفض، إذ لم تكن الجهات المتعارضة مرتاحة من صيغته لأسباب مختلفة، ولم يصادق عليها حينها سوى بلد واحد هو العراق في ظل النظام السابق، وتلك مفارقة أخرى، حين تحاول بعض الحكومات التغطية على انتهاكاتها السافرة بإعلان التوقيع أو المصادقة على بعض الوثائق الدولية لذر الرماد في العيون من جهة، ومن جهة أخرى لسحب البساط من تحت أرجل المعارضات أو مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك «الزوغان» من ضغوط القوى الدولية من جهة ثالثة!!

وبسبب التحديات الداخلية والخارجية لاسيما اتساع رصيد فكرة حقوق الانسان على المستوى الدولي، سعت العديد من المنظمات الحقوقية العربية وبمساعدة بعض المنظمات الدولية وعدد من مؤسسات المجتمع المدني الى تنظيم ندوات وورش عمل وحوارات ومحاضرات وعقد اجتماعات موازية للقمة العربية وتوجيه مذكرات ومقترحات لتعديل الميثاق العربي لحقوق الانسان، وقد ساهم كاتب السطور في العديد منها. وهكذا وبعد مناقشات مستفيضة مع عدد من الخبراء العرب وعبر لجان جامعة الدول العربية وافقت قمة تونس العربية في قرارها رقم 270 في 23 مايو 2004 على الصيغة الأكثر قرباً من الشرعة الدولية التي تم دخولها حيّز النفاذ رغم استمرار بعض الحكومات العربية في تحفظاتها، وكذلك نقد بعض مؤسسات المجتمع المدني للصيغة الجديدة باعتبارها لا ترتقي الى مستوى الشرعة الدولية.

احتوى الميثاق على 53 مادة ووردت فيه إشارات مهمة الى: «الأمة العربية» وقيمها الروحية و«مبادئ الدين الإسلامي» الحنيف والديانات السماوية الأخرى، وكذلك وردت إشارة متميزة عن جميع مواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، على اعتبار أن العنصرية والصهيونية تشكلان انتهاكاً لحقوق الإنسان كما وردت إشارة تنديدية بالاحتلال والسيطرة الأجنبية، ولعلها خصوصية عربية لاسيما في مواجهة التحديات الخارجية.

ويعتبر ميثاق العام 2004 متقدماً كثيراً على صيغة العام 1994 وهو ما كنت قد أشرت إليه عند تقريضي في العام 2000 في كتابيّ «الإنسان هو الأصل» و«جامعة الدول العربية والمجتمع المدني»، لكن المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحفظت فيه على الإشارة الخاصة بالصهيونية في بيان لها صدر يوم 30/1/2008، ولعل هذا كان موضوع نقاش وسجال مسبق للمفكر السوري الدكتور جورج جبور سبق أن قدّم فيه مساهمات متميزة وأصدر كتاباً جديداً عنه عشية دخول الميثاق حيّز النفاذ أهداه إلى ندوة فكرية مهمة حول النزاهة في الانتخابات نظمتها في بيروت المنظمة العربية لمكافحة الفساد ورئيسها الدكتور سليم الحص.

* باحث ومفكر عراقي