نظرات في كتاب الحرية أو الطوفان 2

نشر في 05-09-2007
آخر تحديث 05-09-2007 | 00:00
 فهد راشد المطيري

يزعم الدكتور حاكم أن الإسلام سبق «جميع الأنظمة والفلسفات الأرضية في ترسيخ مبدأ المشروعية» بين الحاكم والمحكوم، وأن أوروبا لم تعرف هذا المبدأ «إلا بعد الثورة الفرنسية»، ويستند في زعمه هذا إلى رأي الدكتور «عادل الطبطبائي»، حيث يؤكد الأخير أن «وثيقة المدينة» هي بمنزلة «أول دستور مكتوب عرفه العالم»، وهنا نقول ماذا عن «دستور أثينا» وجهود إرساء دولة القانون قبل خمسة قرون من زمن المسيح؟

عندما يكتفي الباحث باعتماد النقل من دون إعمال العقل في ما ينقل، يصبح عندها معرضاً إلى خطرين منهجيين: الوقوع في التناقض، والاستناد إلى معلومة خاطئة. يرى الكاتب، في صفحة 298، أن هدف «الخديوي» في التخلص من سلطة الخلافة العثمانية هو السبب وراء ظهور كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ «علي عبدالرزاق»، ثم ينقل الكاتب عن الشيخ «مصطفى صبري»، في صفحة 301، أن السبب وراء ظهور كتاب الشيخ «علي عبدالرزاق» هو «تأييد ما فعله مصطفى كمال في تركيا من إلغاء الخلافة»!

التناقض الآخر يتعلق بعقد البيعة بين الأمة والإمام، فبينما يؤكد الكاتب في صفحة 16 على حقيقة أن الحكم والسلطة لا تكونان عن طريق التفويض الإلهي، بل عن طريق عقد بيعة بين الحاكم والمحكوم، وهو عقد يشترط رضا كلا الطرفين، يعود الكاتب ليشير في الصفحة التالية إلى الآية القرآنية «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم» (النساء، 65)، ويتخد من هذه الآية دليلاً على «أن المسلمين في المدينة هم الذين يُحكّمون النبي (ص)»، وأن الإعراض عن الاحتكام إلى النبي «يخرجهم من دائرة الإيمان إلى دائرة الشرك بالله»! لاحظ إصرار الكاتب على الربط بين فكرة الخروج على الحاكم وفكرة الشرك بالله والخروج من دائرة الإسلام! لكن عندما يتذكر الكاتب خصومه السلفيين، يعود من جديد إلى التفريق بين الخروج على الحاكم والخروج على الشريعة الإسلامية (انظر صفحة 184).

لدي سؤال محدد للدكتور «حاكم»: إذا كان الإعراض عن الاحتكام إلى النبي (ص) يخرج المعترض من دائرة الإسلام كما تقول، وإذا كان من يخرج من دائرة الإسلام يصبح هدفاً مشروعا لقتاله من قبل المسلمين كما تقول أيضا، فما قيمة اشتراط رضا الطرفين على شروط البيعة في المدينة المنورة؟ بل ما قيمة رضا الطرف الأضعف إذا كان خيار الرفض سيؤدي به إلى التهلكة؟! من جانب آخر، لست أدري كيف يوفق الكاتب بين إصراره على أن الحكم في الإسلام لايكون عن طريق التفويض الإلهي وبين الآية القرآنية «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم»؟

يزعم الكاتب، في صفحة 65، أن الإسلام سبق «جميع الأنظمة والفلسفات الأرضية في ترسيخ مبدأ المشروعية» بين الحاكم والمحكوم، وأن أوروبا لم تعرف هذا المبدأ «إلا بعد الثورة الفرنسية»، ويستند في زعمه هذا إلى رأي الدكتور «عادل الطبطبائي»، حيث يؤكد الأخير أن «وثيقة المدينة» هي بمنزلة «أول دستور مكتوب عرفه العالم»! لو مكث الدكتور «حاكم» ساعة إضافية في مكتبة الجامعة التي درس فيها لعرف أن رأي الدكتور «الطبطبائي» ينتمي إلى طريقة في التفكير تعرف باسم wishful thinking، أو «التفكير الرّغبي»، وهو تفكير يعتمد على الرغبة الذاتية أكثر من اعتماده على العقل والدليل المادي!

لندع الحضارة المصرية القديمة جانباً، ولندع أيضا حضارة «بابل» والملك «حمورابي»، بل لنتجاوز «التوراة» وما احتوى عليه من قوانين مدنية تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع، لنطرح كل ذلك جانباً، لكن ماذا عن «دستور أثينا»؟ وماذا عن رجال دولة مثل «صولون» و«كلايسثينس» وعن الإصلاحات القانونية التي ساهموا من خلالها في إرساء دولة القانون قبل خمسة قرون من زمن المسيح؟ ألم يكتب «أرسطو» أكثر من مئة دستور لأثينا وللدويلات المجاورة لها؟ ثم ماذا عن «روما» وريادتها في مجال القانون؟! من الطبيعي أن يحرص الكاتب على التماس السبق للإسلام في كل شيء إيجابي، ولكن من غير الطبيعي أن يكون ذلك على حساب الأمانة العلمية وإنجازات الأمم الأخرى!

يتبع،،،

back to top