التحقيق البرلماني هو تحقيق سياسي يختلف كلية عن التحقيق الجنائي وعن التحقيق الإداري، وأن لجنة التحقيق البرلماني لا تمتد صلاحياتها إلى كثير من صلاحيات المحقق الجنائي، مثل سلطة الاتهام، أو التفتيش والقبض أو ضبط الأشياء التي تكون لازمة للتحقيق، الأمر الذي نرى معه أنه لا يجوز تحليف اليمين في لجان التحقيق البرلماني.يطرح الجدل الدائر على صفحات الصحف بين رئيس لجنة حماية الأموال العامة بمجلس الأمة النائب أحمد المليفي والنائب مسلم البراك، حول ما نسبه الأخير إلى اللجنة من عدم قيامها بتحليف العضو المنتدب لهيئة الاستثمار السيد بدر السعد اليمين عند سؤاله أمام اللجنة كلجنة تحقيق برلماني، وما قاله رئيس اللجنة من أن عدم سؤاله يرجع إلى أنه كان متهماً، والمتهم لا يجوز تحليفه اليمين، يطرح هذا الجدل سؤالاً حول مدى الالتزام بحلف اليمين أمام لجان التحقيق البرلماني.
وهو سؤال نورد الإجابة عنه في ضوء الحقائق الآتية:
الحقيقة الأولى: القول بأن المتهم لا يحلف يميناً، هو قول صحيح في ذاته إذا كانت المحاكمة جزائية، ولكنه يرد في غير مورده ويحل في غير محله، في التحقيق البرلماني، والذي تحكمه النصوص الدستورية ونصوص اللائحة، كما أن وصف العضو المنتدب بالمتهم، فيه تجاوز في التعبير يعيد إلى الأذهان موقف رئيس مجلس الأمة والمجلس في بداية الحياة النيابية، عندما قال أحد النواب إني اتهم الوزير، فأمر رئيس المجلس -بعد موافقة المجلس- بشطب العبارة واستبدل بها (إني أحمل الوزير المسؤولية).
الحقيقة الثانية: أن الوزراء سواء كانوا معّينين أو منتخبين يخرجون عن دائرة هذا البحث، وذلك لسابقة حلفهم اليمين أمام صاحب السمو الأمير وأمام مجلس الأمة في جلسة علنية وقبل تولي أعمالهم في المجلس ولجانه إعمالا للمادتين 91 و126.
ولا تعدو لجان التحقيق البرلماني أن تكون لجنة من لجان المجلس التي أشارت إليها المادة 91 المذكورة في ما نصت عليه من أنه «قبل أن يتولى عضو مجلس الأمة أعماله في المجلس أو لجانه يؤدي أمام المجلس في جلسة علنية اليمين الأتية...»
الحقيقة الثالثة: أن التحقيق البرلماني هو تحقيق سياسي يختلف في طبيعته والمسائل التي يتناولها والإجراءات التي تتبع فيه والاثار التي تترتب عليه، عن التحقيق الجنائي، ولهذا انتهت المحكمة الدستورية -بحق- إلى أنه لا وجه لقياس التحقيق السياسي على التحقيق الجنائي لاختلاف طبيعة كل منهما وغايته والنتيجة المترتبة عليه، كما لا يتطلب في الأمور محل التحقيق أن تكون مما يخالطها شبهة المخالفة... إذ إن البَين من نص المادة (114) من الدستور أنه جاء عاماً مطلقاً من أي قيد أو شرط اللهم إلا اشتراط أن يكون موضوع التحقيق داخلاً في اختصاص المجلس النيابي «(قرار المحكمة الدستورية الصادر بجلسة 14/6/1986 في طلب التفسير رقم (1) لسنة 1986)».
وفي هذا السياق، يحدد الدكتور عثمان خليل، رحمة الله عليه، الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي، ماهية التحقيق البرلماني فيقول:
«إنه تحقيق يتولاه المجلس أو يكلف لجنة به أو يكلف أحد أعضائه بأن يحقق في مسألة داخله في اختصاصه مثل موضوع من الموضوعات الداخلة في مشروع قانون يبحثه ويريد أن يتبين ما العقبات التي تقف في سبيل هذا المشروع حتى ينور الأعضاء واللجنة المختصة به... ويجوز أن يذهب المحقق إلى الوزارة المختصة ويطلب منها البيانات المتعلقة بالموضوع... وقد تكون المسألة محل استجواب، وقد يساعد التحقيق عندما يحصل على البيانات المطلوبة على حل الاستجواب «محضر الجلسة 21 صـ25 – 26».
كما يقرر الخبير الدستوري في المجلس التأسيسي أن غاية التحقيق البرلماني جمع المعلومات في مسألة يراد جمع المعلومات عنها، وليس التحقيق مع موظفين (المضبطة 11 ص 25).
وأن كل ما ينتهي إليه التحقيق البرلماني هو تحريك المساءلة السياسية، أو وضع مشروع قانون، ولا يحل محل تحقيق الجهة الإدارية، وإن جاز الاستهداء به (جلسة 10/12/62 المضبطة 36 ص 87 89).
وهو ما يؤكد بوضوح أن التحقيق البرلماني هو تحقيق سياسي يختلف كلية عن التحقيق الجنائي وعن التحقيق الإداري، وأن لجنة التحقيق البرلماني لا تمتد صلاحياتها إلى كثير من صلاحيات المحقق الجنائي، مثل سلطة الاتهام، أو التفتيش والقبض أو ضبط الأشياء التي تكون لازمة للتحقيق.
ولا يكون للجنة من صلاحيات إلا ما نص عليه الدستور واللائحة الداخلية للمجلس، وقد جاءت نصوصهما خالية من إلزام الشهود بحلف اليمين... الأمر الذي يجوز معه القياس على ما يجري في التحقيق الجنائي من قيام الشهود والخبراء بحلف اليمين تطبيقاً للمادتين 99 ،100 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في ما أوجبته أولاهما، على كل شاهد بحلف اليمين... قبل إجابته عن الأسئلة التي توجه إليه، وفيما أوجبته الثانية على الخبراء من حلف اليمين، وذلك لاختلاف التحقيق البرلماني عن التحقيق الجنائي في طبيعته وغايته وإجراءاته.
الأمر الذي نرى معه أنه لا يجوز تحليف اليمين في لجان التحقيق البرلماني.