منحنت فنلندا المرأة حق التصويت في الانتخابات العامة العام 1906، ثم انتظرت أكثر من مئة سنة لتشغل النساء نسبة 41% من مقاعدها البرلمانية، ولتحتل المرتبة الثالثة بين دول العالم لجهة التمثيل النسائي في البرلمان؛ فكم عاماً ستحتاج الكويت حتى تدخل المرأة البرلمان كنائبة أولاً، ثم تحظى بنسبة تمثيل تتواكب مع حضورها الاجتماعي والسياسي في الشأن العام؟

Ad

ويبدو فعلاً أن المرأة الكويتية هي أول من يخذل المرأة الكويتية في المعترك الانتخابي؛ إذ يكفي أن تلقى أي مرشحة للانتخابات البرلمانية دعماً من نسبة معتبرة من الناخبات المسجلات في دائرتها حتى يؤدي هذا مباشرة إلى وصولها إلى مقعد البرلمان؛ وهو الأمر الذي لم يحدث بالتأكيد في انتخابات 2006، ولا يبدو أنه سيحدث في انتخابات السابع عشر من مايو.

فالتركيبة الانتخابية للمجتمع الكويتي تعطي ميزات تنافسية جيدة للمرأة في أي ظروف انتخاب صحية ومتكافئة؛ ذلك أن عدد الناخبات يبلغ أكثر من 197 ألف ناخبة، بنسبة 56.7% من إجمالي الناخبين، بينما يقل عدد الناخبين من الرجال مقارنة بالنساء إلى نحو 150 ألفاً بنسبة 43.3% من الإجمالي.

وتعطي هذه الأرقام بداية تفوقاً عددياً ملحوظاً قلما حظيت به المرأة في مختلف المجتمعات التي تتيح فرص المشاركة النسائية في الانتخابات العامة، كما أنها تزيد من أهمية الصوت الانتخابي النسائي، وتؤثر في البرامج التي يفترض أن يضعها المرشحون، بحيث تمس أوضاع المرأة وانشغالاتها واحتياجاتها المختلفة.

لقد كانت مشاركة المرأة الكويتية في انتخابات العام 2006 بداية مبشّرة نحو تفعيل تلك المشاركة وتطويرها، بحيث تتيح دخول وجوه نسائية ناشطة إلى البرلمان، بما يعنيه هذا من اختراق على الصعيدين المحلي والإقليمي، يمكن أن ينتج عنه أثر ممتد وكبير على الكثير من العمليات الاجتماعية والسياسية في البلاد وفي المنطقة بشكل أشمل.

لكن منذ انتهاء تلك الانتخابات حتى اللحظة الراهنة لم يظهر أن المرأة الكويتية كسبت أرضاً جديدة أو أنها باتت أقرب لتحقيق حلمها في أن تكون شريكة للرجل في صنع السياسة العامة والرقابة عليها من خلال فوزها بمقعد برلماني.

عوامل عديدة حالت دون أن يتحقق هذا الهدف، ويبدو أنها ستظل تعوق تحقيقه فترة أخرى قادمة؛ منها ما هو إجرائي ومنها ما هو موضوعي متجذر وأصيل في التربة السياسية والاجتماعية.

فيبدو أن قطاعات كبيرة من المجتمع مازالت مشغولة بمسائل شكلية وتقليدية تم حسمها في الكثير من المجتمعات سواء المتقدمة أو التقليدية على السواء؛ وهو الأمر الذي يجعل من الحديث عن الترشح للانتخابات العامة، فضلاً عن المشاركة بالانتخاب في الأساس، نوعاً من القفزات المتسارعة إلى عوالم أكثر تقدماً وحداثة من واقع شديد الاستغراق في لحظته التقليدية.

ثمة عوامل يمكن أن تنشط مساهمة المرأة الكويتية في المعترك الانتخابي انتخاباً وترشيحاً وصولاً إلى تحقيق الهدف المرجو بشغلها عدداً ملائماً من المقاعد في البرلمان؛ ومن تلك العوامل ما يمكن أن يكون عاملاً مساعداً وحافزاً مرحلياً. فيمكن تطبيق نظام «الكوتا» كما حدث في المغرب والأردن، وهو الأمر الذي حقق زيادة ملموسة في عدد السيدات المنتخبات بعضوية البرلمان في البلدين في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في المملكتين على السواء.

ويمكن أيضاً أن تجد المرأة حظوظاً أفضل في حال زاد الاعتماد على القوائم الانتخابية؛ بما يعنيه هذا من إعطاء فرص لسيدات يمكن أن يفدن ويستفدن من وجودهن في قائمة من القوائم الانتخابية.

لكن العوامل الأكثر أهمية التي يجب أن تتوافر حقاً حتى يكون للمشاركة النسائية في المعترك الانتخابي والعملية السياسية برمتها المعنى والفاعلية المفترضة، هي العوامل المتعلقة بإزالة الكوابح الاجتماعية المعوقة لدور المرأة السياسي في المجتمع.

فرغم أن نسبة إقبال النساء على الإدلاء بأصواتهن في انتخابات العام 2006 بلغت نحو 58%، فإن هذا الإقبال الكبير نسبياً لم يترجم في أصوات تثقل كفة أي من المرشحات، ويبدو أن معظم الأصوات التي ذهبت إلى النساء، وفق تقديرات كثيرة، جاءت من رجال فعلاً، باعتبار أن قطاعاً كبيراً بين النساء لم يقتنع بعد بجدوى وأهمية أن تصل المرأة إلى مقعد برلماني في بلد عرف الممارسة الانتخابية قبل أكثرمن 45 سنة.

لدينا اليوم نحو 35 رئيسة برلمان، يشكلن بنسبة 17% من إجمالي رؤساء البرلمانات في العالم، كما أن نحو 18% من نواب العالم نساء، وهو الأمر الذي يُلقي على عاتق المرأة الكويتية تحدياً واضحاً، لكي تواصل عملها في طريقها إلى الفوز بأول مقعد برلماني، لكنه أيضاً يضع المجتمع الكويتي كله أمام امتحان حقيقي لقدرته على مواكبة العصر والاحتفاء بقيم النضج الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز.

* كاتب مصري