Ad

كيف لا توجد عندنا تجارة البشر والكل في الكويت يعرف بالتفصيل أسعار تصاريح العمل للوافدين بحسب الجنسية، فالباكستاني 600 دينار، والإيراني 700 دينار، والسوري 800 دينار، والأفغاني 1000 دينار، والبنغالي الذي يعتبر اليوم عملة نادرة تصل فيه قيمة الرأس إلى 1500 دينار.

زعل الكثير من الكويتيين، على المستوى الرسمي وكتاب الصحافة وغيرهم، من تقرير وزارة الخارجية الأميركية بشأن ممارسة تجارة البشر بحق العمالة الوافدة في دولة الكويت، ومع أن الأميركيين يُفترض أن يكونوا آخر من يتكلم أو يدافع عن حقوق الإنسان في العالم، إلا أن كثيراً من الاتهامات الواردة في التقرير «الفضيحة» لا غبار عليه، بل سبق أن تم طرحها محلياً، ومنذ سنوات، في الصحافة ومجلس الأمة وجمعيات حقوق الإنسان، ولم تلق إلا المكابرة والعناد واستمرار النفي. ويكفينا إدانة إجمالية أننا نفتقر حتى الآن إلى قانون لتنظيم العمل في القطاع الأهلي يحدد حقوق وواجبات العمال ومعازيبهم رغم تقديمه في مجالس الأمة على مدى فصول تشريعية عدة، ولكنه كان يُقبر دائماً بيد الحكومة واللجان المختصة!

ويكفي أن نستدل على حجم المعاناة الإنسانية لعشرات الآلاف من الوافدين خاصة من الآسيويين الذين تساوى عددهم مع الكويتيين مليون نسمة أغلبيتهم من البسطاء والمعدمين ممن لا تتجاوز رواتبهم الشهرية قيمة وجبة عشاء تطلبها أي أسرة كويتية من مطاعم الوجبات السريعة في ليلة واحدة.

أما ظاهرة التسول الجوال من الجيش الأصفر والبرتقالي في الشوارع والفرجان وفي كل مناطق الكويت ممن يستجدون الصدقات والموائد الجماعية في شهر رمضان، فلا تحتاج إلى تقارير لأنها تحولت إلى معلم من معالم الديرة.

ولماذا نستنكر وجود التجارة بالبشر في الكويت إذا عرفنا أن قيمة العامل في أقل مناقصة حكومية لا تقل عن مئة دينار شهرياً، في حين أن راتب هذا العامل يتراوح من 20 إلى 30 ديناراً فقط، وفي كثير من الأحيان لا يتم صرفه شهورا عدة حتى تقوم المظاهرات وتتواسط السفارات وتتدخل وزارة الشؤون؟!

وكيف لا توجد عندنا تجارة البشر والكل في الكويت يعرف بالتفصيل أسعار تصاريح العمل للوافدين بحسب الجنسية، فالباكستاني 600 دينار، والإيراني 700 دينار، والسوري 800 دينار، والأفغاني 1000 دينار، والبنغالي الذي يعتبر اليوم عملة نادرة تصل فيه قيمة الرأس إلى 1500 دينار، وفي بورصة الإقامات هذه تكسب ذهب... فألف معاملة يمكن أن تجني منها 5 ملايين دينار بالراحة.

ومع ذلك فإن تجاوب الحكومة مع هذا الموضوع في غاية الغرابة، فكلما زادت التصريحات بالتشديد والوعيد زادت المخالفات. ولا أتذكر أن هناك دولة في العالم يشتكي فيها المسؤولون، وفي مقدمتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيون بشؤون الإقامة مثل الداخلية والشؤون، من تفاقم وخطورة تجارة الإقامات سوى في الكويت من دون أن يقابل ذلك إجراءات عملية جادة لمواجهتها، بل تخوض تجارة خاسرة مع «مافيات» الإقامة فيما تنفقه وزارة الداخلية من أموال وجهود لوضع خطة أمنية تفرز فيها المئات من رجال الأمن والباصات والدوريات لمداهمة إحدى المناطق للقبض على العشرات من مخالفي الإقامة في خيطان أو جليب الشيوخ وفي مشاهد سينمائية تلاحقهم خلالها كاميرات التصوير والصحافة، إضافة إلى ما تتكبده الدولة من نفقات تتحملها لنقل هؤلاء المخالفين وإيوائهم وأخيراً دفع مصاريف إبعادهم، كل هذه الترتيبات والاستعدادات والخسائر بمنظرها المزري يقابله «شخطة قلم» وتوقيع واحد من مسؤول واحد لا يستغرق سوى ثوان معدودة أثناء قيام أحد المعازيب أو حتى مندوبهم بـ«حوس استكانة الشاي ويشرب نصها»... نأمل أن نجد اليوم الذي تعلن فيه الحكومة أن الكويت ليست خالية من شلل الأطفال والدرن وانفلونزا الطيور، بل من التجارة في البشر.