عمار بن ياسر... الزاهد المتواضع بطل اليمامة
قدم أبوه من اليمن واستقر بمكة ولما علم المشركون بإسلام هذه الأسرة أخذوهم وعذبوهم عذابا شديدا، فمر عليهم الرسول وقال لهم «صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة» وطعن أبو جهل السيدة سُمية والدة عمار فماتت، لتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يلحق بها زوجها ياسر، وبقي عمار يعاني العذاب الشديد، فكانوا يضعون رأسه في الماء، ويضربونه بالسياط، ويحرقونه بالنار، فمر عليه الرسول ووضع يده الشريفة على رأسه وقال يا نار كوني بردا وسلامًا على عمار كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم. واستمر المشركون في تعذيب عمار، ولم يتركوه حتى ذكر آلهتهم وأصنامهم بخير، وعندها تركوه فذهب مسرعًا إلى النبي، فقال له النبي ما وراءك؟ قال «شرٌّ يا رسول الله، والله ما تركت حتى نلت منك (أي ذكرتك بسوء) وذكرت آلهتهم بخير»، فقال له النبي «فكيف تجدك؟»، قال مطمئن بالإيمان، قال «فإن عادوا فعد» ونزل فيه قول الله تعالى «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان».
وهاجر عمار إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة وشارك مع النبي في جميع الغزوات، حتى انه قال ذات يوم «قاتلت مع رسول الله الجن والإنس» فسأله الصحابة وكيف؟ فقال «كنا مع النبي فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي»، فقال «أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه» فلما كنت على رأس البئر إذا برجل أسود، فقال والله لا تستقي اليوم منها، فأخذني وأخذته (تشاجرنا) فصرعته ثم أخذت حجرًا، فكسرت وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي وأتيت رسول الله، فقال «هل أتاك على الماء أحد؟» قلت نعم، فقصصت عليه القصة فقال «أتدري من هو؟»، قلت لا، قال «ذاك الشيطان».وذات يوم استأذن عمار -رضي الله عنه- الرسول ليدخل فقال من هذا؟ قال، عمار، فقال مرحبًا بالطيب المطيب. وذات يوم حدث بين عمار وخالد بن الوليد كلاما، فأغلظ خالد لعمار، فشكاه إلى النبي «فقال من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله» فخرج خالد من عند الرسول وما من شيء أحب إليه من رضا عمار، وكلمه حتى رضي عنه. وقال النبي إن «عمارا مُلئ إيمانًا إلى مشاشه (أي إلى آخر جزء فيه) وأمر النبي المسلمين أن يتبعوا عمارا ويقتدوا به، فقال اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال إن الله قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنا من أن يفتنا أرأيت إن أدركت الفتنة؟ قال عليك بكتاب الله، قال أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال سمعت رسول الله يقول إذا اختلف الناس كان ابن سمية عمار مع الحق» وبعد وفاة النبي اشترك عمار مع الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- في محاربة المرتدين، وأظهر شجاعة فائقة في معركة اليمامة حتى قال ابن عمر -رضي الله عنه- في شجاعته رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون؟! أنا عمار بن ياسر، أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلم إلي وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب تتحرك وهو يقاتل أشد القتال.وبعد أن تولى عمر بن الخطاب الخلافة، ولّى عمارا على الكوفة ومعه عبد الله بن مسعود وبعث بكتاب إلى أهلها يقول لهم فيه «أما بعد، فأني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وابن مسعود معلما ووزيرا وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر، فاسمعوا لهما وأطيعوا واقتدوا بهما».وكان عمار متواضعا زاهدا سمحا كريما فقد سبه رجل وعيره ذات مرة بأذنه التي قطعت في سبيل الله، وقال له أيها الأجدع فقال له عمار خير أذني سببت فإنها أصيبت مع رسول الله وكان يقول ثلاثة من كن فيه فقد استكمل الإيمان: الإنفاق في الإقتار، والإنصاف من النفس وبذل السلام للعالم. وفي يوم «صفين» كان عمار في جيش علي وقبل بداية المعركة شعر عمار بالعطش فإذا بامرأة تأتيه وفي يدها إناء فيه لبن فشرب منه وتذكر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- له آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن ثم قال في جموع المقاتلين الجنة تحت ظلال السيوف، والموت في أطراف الأسنة، وقد فتحت أبواب الجنة وتزينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه أصحابه ثم تقدم للقتال فاستشهد سنة(37هـ)، وكان عمره آنذاك (93) سنة ودفنه الإمام علي وصلى عليه.