Ad

إذا كانت بعض البرلمانات العربية تمتلك وقتاً إضافياً لتشغل البلاد والعباد بمعارك جانبية واستعراضات تلفزيونية، فإن على البرلمان الأردني الذي سيرى النور بعد أسبوع ألا يضيع لحظة واحدة، فهناك قضايا ضاغطة كثيرة وهناك تحديات داخلية وخارجية لا حصر لها، فلا يملك الأردنيون ترف الانشغال بالثانوي على حساب الرئيسي والضروري.

بعد أسبوع، أي في العشرين من هذا الشهر، سيذهب الأردنيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلسهم النيابي الجديد المكون من مئة وعشرة نواب حسب قانون الانتخابات المعمول به، ويمكن القول منذ الآن إن هذا «البرلمان» العتيد المنتظر لن يختلف كثيراً من حيث الشكل والمضمون عن البرلمان السابق، وإن الإخوان المسلمين الذين بقوا يشكلون اللون السياسي البارز في الحياة البرلمانية الأردنية منذ عام 1989 سيحتفظون بحجمهم العددي السابق ربما مع تراجع قليل أو زيادة محدودة.

لا شيء جديداً، فالمعـركة التي سبقت هذه الانتخابات، التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل، رغم أنها كانت حامية بالفعل وأن نحو ألف مرشح خاضوا غمارها فإن البرامج السياسية غابت عنها بصورة عامة، فحتى «الإخوان المسلمون» الذين يُلاحظُ أنهم تخلوّا عن شعار حسن البنا «الإسلام هو الحل» لم يتقدموا بأي برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي حقيقي، واكتفوا بشعارات لا تختلف كثيراً عن الشعارات الأخرى التي انتفخت بها شوارع المدن والقرى الأردنية.

ومن غير المتوقع أن يأتي البرلمان الجديد، الذي سيولد يوم الثلاثاء المقبل في العشرين من هذا الشهر، بقفزة نوعية تجعله يختلف عن البرلمان السابق، مع أنه من المتوقع أن يواجه الأردن أربع سنوات مقبلة صعبة وقاسية هي العمر الدستوري لهذا البرلمان، فالمنطقة كلها تنتظر زلازل وأعاصير عاتيةً غير معروف أين ستضرب وكيف... وأسعار البترول وصلت إلى أرقام فلكيّة مستمرة في الصعود، وهناك قفزات بهلوانية متوقعة، سواء بالنسبة الى أسعار الحنطة والخبز أو بالنسبة الى أسعار المواد الغذائية الرئيسة الأخرى.

ولاتزال القضية الفلسطينية، التي هي الضاغط السياسي الأول على الأردن، معلّقة من رموشها، ولعله من قبيل المصادفة أن يكون اليوم الأول من عمر البرلمان الجديد هو يوم الفرصة الأخيرة لاتفاق اللبنانيين وتوافقهم على المرشح لخلافة الرئيس الحالي إميل لحود الذي رضي بالتجديد لنفسه لنصف ولاية تحت ضغط الأمن «الشقيق» المستعار، فكانت كل هذه المصائب التي تلاحقت منذ ذلك الحين حتى الآن... وكل هذا والعراق يعيش الأوضاع المزرية التي يعيشها، والمنطقة تنتظر الحرب الثالثة التي بشَّر بها الرئيس الأميركي جورج بوش إذا امتلكت إيران الأسلحة النووية.

إن كل هذا ينتظره الأردن كما تنتظره كل دول المنطقـة، ولذلك فإن البرلمان الأردني الجديد، الذي سينتخبه الأردنيون يوم الثلاثاء المقبل في العشرين من هذا الشهر، يجب أن يُهيِّئ نفسه لأربع سنوات صعبة، وعليه ألاَّ يضيع منها ولو يوماً واحداً في المناكفات والاستعراضات التلفزيونية وفي الجدل «البيـزنطي» حول أمور لا تهم الأردنيين ولا تشغل بال أي واحدٍ منهم.

لا يملك الأردنيون ترف الانشغال بالثانوي على حساب الرئيسي والضروري، وإذا كانت بعض البرلمانات العربية تمتلك وقتاً إضافياً لتشغل البلاد والعباد بمعارك جانبية واستعراضات تلفزيونية، فإن على البرلمان الأردني الذي سيرى النور بعد أسبوع ألا يضيع لحظة واحدة، فهناك قضايا ضاغطة كثيرة وهناك تحديات داخلية وخارجية لا حصر لها.

لقد كان أداء البرلمان السابق، أي البرلمان الرابع عشر، معقولاً بصورة عامة، لكن أداءه في المحصلة لم يكن مرضياً بالنسبة للأردنيين الذين ملَّوا الاستعراضات التلفزيونية المطوّلة، والذين كانوا يريدون من نوابهم ألاَّ يشغلوهم ويشغلوا الحكومات المتلاحقة بالمماحكات والمعارك الجانبية... وهذا ما يجب أن يتحاشاه البرلمان الجديد الذي سيرى النور بعد أسبوع والذي سيكون على المحك منذ اللحظة الأولى.

*كاتب وسياسي أردني