الكويت ومسرحية الفوضى الخلاقة!

نشر في 01-04-2008
آخر تحديث 01-04-2008 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

إن الطريق الوعرة التي تسير فيها البلاد هي طريق ذات اتجاه واحد ولا يمكن عكس السير فيها. نعم قد يمكن الانعطاف عنها شيئاً فشيئاً للعودة إلى المسار الصحيح إن فعلنا ذلك في الوقت المناسب، ولكننا وكلما أمعنا في التوغل فيها فسيصبح الأمر أكثر صعوبة وربما يستحيل.

من الصعب جداً على من يتابع الأحداث التأزيمية المتتابعة، التي عصفت بالبلاد خلال الفترة الماضية، خصوصاً عندما يرى كيف أن هذه القضايا في حقيقتها لا تتناسب على الإطلاق مع حجم الضجيج الإعلامي الذي تم اختلاقه، أقول من الصعب عليه أن يصدّق بأنها جاءت بهذا التوافق والتتابع مصادفة. لذا فلا شك عندي شخصياً أن هناك يداً خفية تدفع بالبلاد نحو التأزم والاحتقان ومن ثم الاختناق، فمن الواضح أن هناك من يمارس البدعة الأميركية المسماة بالفوضى الخلاقة، اعتقاداً منه بأن حالة الاضطراب والتوتر والفوضى العارمة التي تشيع في البلاد ستؤدي إلى خلق واقع جديد متوافق مع هواه ومقاصده.

تلميحات وتصريحات كبار المسؤولين من أبناء الأسرة، وآخرها اللقاء المطول لسمو رئيس مجلس الوزراء مع صحيفة «الراي»، والذي أعلن فيه أنّه إذا أُجبر فسيعلن كل شيء، كلها تشير إلى فكرة أن هناك أيادي نافذة من داخل الأسرة خلف هذا الموضوع، وهي من القوة بمكان إلى حد أنها قد وصلت إلى مرحلة استهداف رئيس مجلس الوزراء نفسه ومضايقته، بحيث يطلق مثل هذا التصريح الحامل للكثير من الدلالات التي لا تخفى على المتابع الفطن. ويمكن لنا بناء عليه أن نقول إن صراع أبناء الأسرة قد بلغ من الضراوة والشدة اليوم أن صارت قدوره تفور وتخرج إلى خارج دوائرها الكتومة المحكمة التي كنا نعرف.

وفي المقابل، فإنها كثيرة جداً محاولات التحليل للدوافع الكامنة وراء ما يحصل، لكنني وجدتها تعود جميعا في النهاية إلى فكرة فقرية أساسية وهو أن الأمر برمته صراع على السلطة والنفوذ، وأخطر ما في هذا الصراع أنه قد اختلطت فيه محاور الصراع السياسي المباشر مع محاور الصراع الاقتصادي المالي، مما سبب اضطراباً كبيراً على كل المستويات والأسطح وخلق أمواجاً عاتية ركبها الكثير من المتسلقين وصيادي الفرص والباحثين جميعا عن منافعهم ومصالحهم الشخصية على حساب الوطن والمجتمع.

يقول بعضهم في تحليله لما يحصل إن هذا الخنق المتواصل للواقع السياسي يأتي بهدف أن يقفز إلى الحلبة أطراف معينون في توقيت معين على هيئة الأبطال المخلصين المنقذين، فتنقاد لهم الأمور بعدها ويدين لهم الناس بالولاء، وهو تحليل له وجاهته، خصوصا أن أغلب الشواهد تشير باتجاه طرف معين عرف عنه هذا النمط من التفكير، لكنني أتصور أن هذا الطرف قد تخدعه ثقته المفرطة بقدراته فينقلب سحره عليه وربما على الجميع!

تحليل آخر يقول إن الأمر أخطر من ذلك، حيث إن هناك من يريد أن يوصل الأمور إلى الأزمة الكبرى المستحكمة، وأن يسوّق بعدها، وقد بدأ هذا التسويق بشكل من الأشكال سابقا، لفكرة أن هذا الاختناق الذي تمر به البلاد ما هو إلا نتاج حتمي لسوء استخدام «الديموقراطية» وأن الأمور قد خرجت عن السيطرة وبات من اللازم تعليق «الديموقراطية» وأدواتها من برلمان وغيره، حتى تستعاد السيطرة على زمام الأمور وتعاد إلى وضعها الصحيح. لهذا التحليل أيضا وجاهته، ولا يمكن نفيه قطعا وللأسف.

لكن وبغض النظر عن أي من التحليلين، أو ربما غيرهما، هو الصواب، فإن المحصلة واحدة في قناعتي، وهي أن الطريق الوعرة التي تسير فيها البلاد هي طريق ذات اتجاه واحد ولا يمكن عكس السير فيها. نعم قد يمكن الانعطاف عنها شيئاً فشيئاً للعودة إلى المسار الصحيح إن فعلنا ذلك في الوقت المناسب، ولكننا وكلما أمعنا في التوغل فيها فسيصبح الأمر أكثر صعوبة وربما يستحيل.

back to top