Ad

كان الربعي مختلفاً في جوانب عدة من بينها؛ تكيفه مع فكرة تعاقب الأجيال، فقد كان ملهماً ومحتضناً للشباب، بدءاً من اعتماده عليهم في إدارة حملاته الانتخابية، وإقراره بتسليمهم دفة قيادة العمل الوطني في أحد المهرجانات الخطابية قبل سنوات.

مضت ثمانية أيام منذ رحل عنا د. أحمد الربعي، تدفقت خلالها كلمات الرثاء ودموع الحزن وأحاسيس الفقد والقصص الشخصية معه، ولعل أدق وصف له قرأته هو «المختلف»، فقد ناضل كثيرون، فإما كابروا أو سرقت شخصياتهم الأضواء من تجاربهم، أما الربعي فلم يتحرج من قول «الحمدلله أن ثورة ظفار لم تنجح» دون نكران ما أضافته لتكوين شخصيته، وهناك من يتباهى بشهادته ظاناً بأنها دون التجربة مفتاح الحياة، بينما تقودك الصدف لاكتشاف أن الربعي نال الدكتوراه من هارفارد، كما تقودك لاكتشاف أنه تخصص في الفلسفة الإسلامية بينما كثر المزايدون على الفهم بالدين أو استسهلوا وضع لقب «مفكر» قبل أسمائهم، وهناك كثيرون ممَن فكروا وتعصبوا، بينما لم يتحرج الربعي من استغلال تطور الفكرة في تطوير الفكر، وهناك كثيرون ممَن تحدثوا، لكنه هو الذي يسحر بكلامه خصمه قبل مستمعيه، وهناك كثيرون ممَن كتبوا، بينما هو الذي التف الناس حول أربعائياته الوجدانية أكثر من خوضه في السياسة، وهناك كثيرون ممَن خاضوا الانتخابات على ظهر التذمر ولعن الظلام، بينما حمله تفاؤله بجمال الكويت إلى النجاح، وهناك وزراء كثيرون، بينما الوزير الربعي هو الذي هجر البشت وفتح «القولة» وقاد سيارته إلى المدارس من دون وفد أو حراسة، وانحنى نحو الأرض ليمسح دموع طفلة صغيرة في يومها الدراسي الأول، باختصار هناك كثيرون، وهناك أحمد الربعي واحد يختلف عنهم. لقد كان مختلفاً حتى في ما كتب عنه من رثاء.

كان الربعي مختلفاً أيضاً بتكيفه مع فكرة تعاقب الأجيال، فقد كان ملهماً ومحتضناً للشباب، بدءاً من اعتماده عليهم في إدارة حملاته الانتخابية، وإقراره بتسليمهم دفة قيادة العمل الوطني في أحد المهرجانات الخطابية قبل سنوات، وانتهاء بحلقة عن المدونات الشبابية على قناة «العربية» ضمن برنامج جديد بعنوان «وقفة حرة مع أحمد الربعي» لم يشأ القدر أن يبث قبل رحيله عنا.

وفي هذا الصدد فقد كان لي نصيبي المتواضع من القصص الشخصية معه، فعندما التقيت به في بوسطن كان يضفي جواً من الراحة عند التحاور معه من دون أن أشعر باتساع الهوة بين تجربتي الحياتية المتواضعة وتجربته، وعندما التقيته في إحدى المناسبات بعدها سألني «يوصل لك السلام والا لا؟» إذ كان يضع في ذاكرته مكاناً لكل شخص التقاه مهما كانت تجربته وفكره وعمره، وأخيراً عندما أشرت له في إحدى مقالاتي بلغني أنه متابع لها، وعندها سأل صديقي طارق (ابنه) «ليش ما قام يزورنا؟» وللأسف رغم المحاولات لم تسمح ظروف مرضه أن أزوره.

ليس بالإمكان وصف الشعور بالفقد والحزن لرحيل هذا المختلف، وأملنا في ما تركه من إرث ثقافي وفكري وتاريخي ووطني، والأمل في أن نقلب- نحن الشباب- هذا الحزن إلى احتفال بمسيرة حافلة وتجربة حياة غنية، ولا يكتمل الاحتفال إلا بإكمالنا لمسيرة أحمد الربعي من حيث توقف هو.

Dessert

للتو استوعبت أن لقاءاتي بأبنائه ووالدتهم كل على حدة كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بعمل وطني وتطوعي. فكما أخرج بيت الربعي قتيبة وطارق وخالد، بإمكان الكويت- البيت الكبير- التي أخرجت أحمد الربعي أن تخرج لنا مخلصين آخرين، فلنعمل على ذلك.