إلى أين؟
«نعم، يمكن علاج كل أو معظم المشكلات التي تواجهها الكويت، فلدينا العقول والخبرة والقدرة والإمكانات لتحويل الديرة إلى جنة لو أردنا وأحسنا الإدارة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بل إن كثيراً من القضايا قد تحل بكل بساطة».
هل مشاكل الكويت مستعصية على الحل؟ هل نحن نموذج فاشل في الإدارة وابتكار الحلول؟ أو هل المشاكل وصلت إلى السوء الذي لم يعد ينفع فيه علاج؟ المضحك المبكي أن معظم مشاكل الكويت يمكن حلها وبكل بساطة، لكننا نفتقد اصحاب القرار.
عقدت في الكويت الكثير من المؤتمرات والاجتماعات وكتبت مجلدات في مشاكل الكويت وذلك منذ نشأة الكويت الحديثة في خمسينيات القرن الماضي، ولكن معظم هذه الفعاليات كانت تركز على وصف العلل والتشخيص وقليل من العلاج. مؤتمرات التركيبة السكانية والعمالة والتوظيف والتنمية الاقتصادية والبشرية وتطوير التعليم وموضوعات الوحدة الوطنية والاوضاع القبلية والطائفية، والبدون وغيرها من القضايا الاجتماعية. ومعالجة الظواهر السلبية في الديموقراطية وحقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، ومحاربة الآفات السلبية مثل الفساد وانتشار الرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام، وغير ذلك من المشاكل، الكل يعرفها، ولكن لا أحد يسمع عن الحلول وإن طرحت بعض الأفكار، فإن العلاج يبدو كأنه قادم من المريخ يخيفون به الناس أكثر من خوفهم من المشكلة نفسها. إن ترك الأوضاع، كما هي بحجة أن الأمور ستعود إلى نصابها مع الزمن ومن دون تكدير أحد لا يزيد المشاكل إلا تعقيداً ويزيد من تكلفة الحلول، ويزيد من تأخرنا عن العالم وعن أشقائنا في مجلس التعاون. إن غياب متخذي القرار أو اهتمامهم فقط بما يعود عليهم بالمصلحة أو تأخير اتخاذ القرار تحت ضغوط أصحاب المصالح أو المتنفذين أو الهروب من القرار خوفاً من ردود الفعل أو لانشغالهم بالقضايا الخارجية على حساب الوضع الداخلي، كل هذا أدى إلى ما نحن فيه. ضاعت بوصلتنا فلم نعد نعرف أين نتجه؟ أخذنا نتلفت نحو دبي نحاول أن نقلدها في حجم المباني ونسينا جوهر المشكلة والحلول الأكبر المطلوبة من صاحب القرار. هل نعاني نقصاً في المبتكرين؟ كل الدلائل تنفي ذلك ولكن أصحاب القرار لا يريدون أن يسمعوا من المبتكرين إنما يصغون الى المزينين والمتقاعسين الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، أو لأصحاب «الهون أبرك ما يكون»، و«الزمن كفيل بحل كل المعضلات». المشكلة الأخرى أننا عندما نختلف على أمر يترك الأمر برمته ولا نبحث في البدائل، خذ مثلا موضوع تطوير حقول نفط الشمال، حدث خلاف ومازال على طريقة التطوير ودستورية مسألة الاتفاق مع شركات أجنبية للمشاركة في عملية التطوير، صار هذا الأمر يبحث لما يزيد عن عشر سنوات ولم يحاول طرف أن يرى حلاً بديلاً لمشروع الاستعانة بالشركات الأجنبية. وظل أصحاب القرار يقولون إما المشاركة وإما لا شيء، لماذا هذا الاصرار على بديل واحد؟ هل استنفذنا البدائل كلها بأسلوب علمي ودقيق حتى نصل إلى قرار البديل الواحد؟ مرة أخرى تتدخل المصالح لكي تجمد مشروعاً تحتاجه الكويت على أساس زعم غير مسؤول يقول إن الكويتيين غير قادرين على تطوير حقولهم أو حتى على البحث عن بديل أفضل من بديل المشاركة. هل يمكن علاج كل أو معظم المشكلات السابقة الذكر؟ الجواب نعم بالتأكيد، فلدينا العقول والخبرة والقدرة والإمكانات لتحويل الكويت إلى جنة لو أردنا وأحسنا الإدارة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بل إن كثيراً من القضايا قد تحل بكل بساطة، وبعضها لا يحتاج إلا تعديلات بسيطة في بعض القوانين واللوائح. فهل يجهل أصحاب القرار هذا أم أنهم ضخموا لهم الحلول وكبروا في نتائجها حتى أخافوهم منها لسبب في نفوس أكثر من يعقوب؟ ياليت أحد يتبنى فكرة مؤتمر لتقديم حلول لمشاكل الكويت لا يتحدث فيها ولا يكتب عن تشخيص الحال، إنما الدخول إلى الحلول مباشرة على أن تفتتح قناة أو بريد إلكتروني خاص لتلقي اقتراحات المواطنين حول مشاكلنا المزمنة، وطرح تساؤل بشأن كيف نرى الكويت في السنوات العشر التالية؟ أنا متيقن من أن كثيراً من الأفكار المبدعة ستقدم لأصحاب القرار... ولكن من يسمع ومن يعي؟ أرجو أن يستيقظ أصحاب القرار قبل فوات الأوان.