Ad

البلد ما عادت تحتمل أزمة جديدة، خاصة من طراز الأزمات الهامشية التي ستصرف أنظارنا عن الأزمات الحقيقية، وستساعد قوى الفساد على تنفيذ مخططاتهم ونحن منشغلون

العلامة الأبرز للعلاقة الليبرالية-الإسلامية، تتمثل بوجود حالة من التحفز الدائم من كل طرف تجاه الآخر، حالة يمكن معها القول، إن كل من هذين الطرفين لا يريد أن يرى المجتمع إلا في انعدام الآخر، ولا يريد أن يفسر أي مظهر من مظاهر الاختلال المجتمعي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا على أنه صنيعة الآخر!

وبطبيعة الحال، أدت هذه العلاقة المعروفة بين الطرفين، إلى تحول كل قضية عامة، وما أن تطل برأسها، إلى خلاف بينهما، حتى ولو كانت قضية هامشية أو لا مجال للاختلاف فيها أصلا. لو قال الإسلاميون شمالاً، لأجاب الليبراليون جنوباً، ولو قال الليبراليون غرباً لأجاب الإسلاميون شرقاً، ولو اتفقوا في إحدى النوادر على أن الوجهة شمال غرب، لاختلفوا في توقيت المسير، هل يكون صباحاً أم مساءً!

أقر طبعا بأن الخلاف بين الطرفين ينبع أحيانا من اختلافات فكرية ثقيلة نوعا ما، وأن كلا من الطرفين قد يكون له وجهة نظره المعتبرة حينها، لكنه في أغلب الأوقات خلاف عبثي لا يرقى لأن يكون محل نزاع ومواجهة. ومن الأمثلة على تلك الخلافات التي أراها من هذه الشاكلة، موضوع قانون عمل المرأة الذي أقره مجلس الأمة الشهر الماضي، فهذا القانون الذي جاء، في رأيي، ليتبع في حال تطبيقه، أخاه القانون الشهير، قانون منع التدخين في الأماكن العامة، والذي كُسر أول ما كُسر، على أيدي رجال الأمن والموظفين الحكوميين، لا يستحق أن تثار حوله كل هذه الضجة ولا أن تقام على هامشه كل هذه الندوات والاحتشادات الجماهيرية.

نعم، أفهم وأقدِّر أن تعترض شريحة من الناس عليه، بل لعّلي مع من يرفضه بصيغته الحالية التي أراها جاءت عصية على التطبيق مملوءة باللا منطقية، لكنني أستطيع أن أرى النوايا الطيبة التي انطلق منها مقترحوه، والذين هم بالمناسبة لا ينتمون جميعا الى التيار الإسلامي، فنواياهم تمثلت بالرغبة في حماية المرأة من الأعمال الخطرة والشاقة والضارة صحياً وتلك التي تستغل أنوثتها، وبالتالي فلا أجدني أقول إن القانون من قوانين الظلام أو من خطط المتطرفين أعداء الحرية أو نتاج لسيطرة المجتمع الذكوري!

الموضوع في نظري لا يزال أبسط من أن تختلق لأجله هذه المعركة، وكل ما على من يرون أن في هذا القانون مثالب وتناقضات مع بعض مواد الدستور، أن يتبعوا تلك الخطوات المتزنة والإجراءات المعروفة التي ستؤدي به إلى الرد، وما من داع لكل هذا التوتر وهذه الجلبة الإعلامية!

يا سيداتي وسادتي، لسنا في عصر الترف الفكري الذي كنا فيه سابقاً، والبلد ما عادت تحتمل أزمة جديدة، خصوصا من طراز الأزمات الهامشية التي ستصرف أنظارنا عن الأزمات الحقيقية، وستساعد قوى الفساد على تنفيذ مخططاتهم ونحن منشغلون... فارحمونا يرحمكم الله!