المحتالون
ماذا نسمي من يتوفى زوجها وتحصل على راتبه العالي قانوناً، وتحصل على مساعدة من بيت الزكاة بالواسطة، وأحياناً تعمل إحداهن لدى اللجان الخيرية وتحصل على مكافأة وهي بذلك تحصل على ثلاثة رواتب ولا تنقطع رحلاتها السياحية طوال العام؟!
لدى بعض الناس مفاهيم غريبة يؤلفونها ويصدقونها، وهي ضد القيم الدينية التي يدّعون الاعتقاد بها، وكذلك هي ضد الانتماء الوطني الذي يتظاهرون به. ولدينا في حياتنا المعاصرة نماذج من أولئك الناس يتناقض فعلهم مع مظهرهم الديني والوطني، فهم مسلمون يؤدون الفروض ويحرصون عليها، ورحلاتهم للعمرة والحج لا تنقطع لكنهم يتحايلون للحصول على المال بشتى الوسائل، فماذا نسمي من يتوفى زوجها وتحصل على راتبه العالي قانوناً، وتحصل على مساعدة من بيت الزكاة بالواسطة، وأحياناً تعمل إحداهن لدى اللجان الخيرية وتحصل على مكافأة وهي بذلك تحصل على ثلاثة رواتب ولا تنقطع رحلاتها السياحية طوال العام؟! وهناك من يتحايل للحصول على علاج في الخارج على نفقة الدولة وهو ليس مريضاً مرضاً يستدعي العلاج في الخارج، ويحرص على أن يكون ذلك في فترة الصيف وإلى أماكن معينة، لكنه يحرص على تأدية الفروض الدينية، ومظاهر التدين المتعارف عليها في وقتنا الحاضر! وهناك من يستغل الوظيفة الحكومية التي يعمل فيها ويتهرب من الدوام، ويكّذب في الأعذار التي يقدمها لرؤسائه والملفات مليئة بالأعذار الطبية ومعظمها غير صحيح، وأكثر من ذلك يوجد لدى بعض الناس ملفات في الطب النفسي وهم أصحاء. كما أن هناك من يعتقد أنه يجوز التعدي على المال العام لأن غيره يفعل ذلك، وهؤلاء لا ينقصهم التبرير فأموال الدولة وممتلكاتها في رأيهم مشاعٌ للآخرين، ولهم حقٌّ فيها، ويمكنهم الاستيلاء عليها خلافاً للقانون.وسيخرج علينا من المتشنجين أو من ضربنا على وترهم الحساس ليقولوا إن هذه ادّعاءات لا دليل عليها! بالله عليكم أليست هذه ظاهرة نراها ونلمسها في مجتمعنا؟ وهل تحتاج إلى دليل والناس يتحدثون عنها؟ وهل يعتقد أولئك أن الناس لا يعرفون لأنهم كالنعامة تدفن رأسها في التراب حتى لا يراها أحد؟!لقد كان مجتمعنا التقليدي في السابق يعيش قيماً نبيلة لا أحد يتحايل عليها، وذلك عندما كانت الأمية والجهل والتخلف منتشرة، أما اليوم فإن تخريباً لتلك القيم يجري في ظل التعليم والحضارة المعاصرة! والأزمة كلها ثقافية. لقد كان الآباء والأجداد يقولون «من يعيش بالحيلة يموت بالفقر» وهم يعنون ما يقولون، وكان الكذب والتحايل جريمة كبرى أما اليوم فقد اهتزت واضطربت القيم، فالمجتمع التقليدي الذي اتهمناه بالتخلف كان أكثر نقاء من مجتمعنا، إنها أزمة أخلاقية وقيمية وثقافية، وإن تخريباً يجري للقيم النبيلة. إننا بحاجة ماسة إلى إعادة نظر في قيمنا وإلى ثقافة جديدة أو تجديد ثقافتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله.