خذ وخل: أبو الحسن شريف العلمي

نشر في 13-01-2008
آخر تحديث 13-01-2008 | 00:00
 سليمان الفهد حين جاءني صوت الصديقة المعالجة النفسية السيدة ألطاف عيسى السلطان عشية الخميس قبل الماضي 3 يناير بنبرة تنطوي على شجن سفيف حدست خبراً محزناً، قالت: عظّم الله أجرك في أخينا «شريف العلمي» رحمه الله وغفر له، قلت لها: أخيراً جاءه «الجيم» السري الذي ليس في مقدور أي انسان معرفة سؤاله! ومن ثم انداحت الذكريات تترى كشريط سينمائي يوثق علاقتنا بأبي الحسن وبرنامجه الترويحي الثقافي المميز «سين جيم».

والأستاذ شريف العلمي لمع بداية في إذاعة الشرق الأدنى التي أنشأتها سلطة الانتداب البريطانية في فلسطين، ومن ثم انتقلت إلى جزيرة قبرص كإذاعة عربية لساناً، بريطانية الهوية والتمويل.

وكانت من الناحية المهنية ناجحة ومسموعة في الشرق الأدنى من الوطن العربي، وكان أبو الحسن من ضمن الذين استقالوا من هذه الإذاعة احتجاجاً على العدوان الثلاثي: الفرنسي-البريطاني-الإسرائيلي على مصر. و«رب ضارة نافعة»، فقد التحق العلمي، وثُلّة من الإعلاميين الفلسطينيين القديرين إلى إذاعة الكويت في أواخر الخمسينيات، ولمع فيها حالما قدم برنامج المسابقات الإذاعي «فكّر واربح» الذي أفضى به نجاحه الجماهيري المدهش إلى تلفزة البرنامج باسم «سين جيم»، أي سؤال وجواب، ولا حاجة بي إلى الإشارة إلى أن البرنامج حظي باهتمام شديد من قبل المتلقين العامة والخاصة على حد سواء.

ففي معرض الشهادة في البرنامج، ومعده ومقدّمه يقول الأستاذ الدكتور أحمد زكي «إن برامج الأستاذ شريف العلمي، كانت تختلف اختلافاً بيّناً عما أصِف من برامج (يعني برامج المسابقات التي كان يشاهدها في بريطانيا)، كان فيها من التنوع والحركة الشيء الكثير»، ويقول في نهاية شهادته الواردة في مقدمته لكتاب (سين جيم): «إن المعرفة التي يعطيها، لو عبّر عنها الملاكم لقال إنها من الوزن الخفيف الثقيل، ومنهم من يقول: إنها وزن الريشة خفة، ومن أجل هذا هي لا تثقل على أحد، وهي لا تسيء إلى أحد إذا هو قرأها بعد طعام، لأنها لا تحدث له عسر هضم، ولكنها تمنعه من أن ينام، لهذا لا أنصح في قراءتها بعد طعام في قيلولة صيف...»، وهكذا حال المتلقي مع البرنامج المتلفز. ذلك أن الإتقان الشديد، والاجتهاد المتواتر هما نجاح أخينا «أبي الحسن» وبرنامجه الجماهيري الشهير. ولا أغالي إذا نوهت بأن «سين جيم» أصبح شاغل الكويت كلها، وحديث قاطنيها جلّهم! وقد فوجئت، بعد سنوات من عرض البرنامج بأبي الحسن رحمه الله يعرض عليّ المشاركة في البرنامج ضمن لجنة التحكيم التي تحدد الجواب الصحيح للمتسابق.

فوجئت بالطلب، واعتذرت عنه بدعوى أن طلعة العبد لله ليست «فوتوجينيك»، فضلاً عن أن غياب الحضور الجذاب وتجلي ثقل الدم المخاصم لروح البرنامج المرحة. وفاجأني بسخريته المعهودة قائلاً: لا عليك مما قلت لأنه عز الطلب! ورضخت لخيار المشاركة بعد لأي وعلى مضض!

ووجدتني بعدها من بين «سين جيم» وصيّرني «الشريف العلمي» نجماً مشهوراً من حيث لا أحتسب، وهكذا فعل مع بقية الأعضاء المشاركين في اللجنة، ولم يكن ذلك بدعا، ولا مصادفة تتكئ على الحظ ودعاء الوالدين، بل لأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة في مرحلة إعداد وإنتاج وتقديم البرنامج، إلا حرص على حضورها في غاية الإتقان، كما أسلفت آنفاً. وفي هذا السياق ثمة شهادة حَريّة بالتنويه كونها صادرة عن إعلامي مبدع يشارك أخانا الراحل في الحرص على حضور الإتقان في كل خطوات ومراحل وفقرات البرنامج إلى حد الهوس الصحي المتوسل تقديم الترويح الثقافي المضمر بصفتي الأنفع والأرفع، يقول الأخ الصديق «محمد ناصر السنعوسي» الوكيل المساعد للتلفزيون: «ونجاح برنامج سين جيم، وهو نجاح لا ينكره أحد، لم يكن عفوياً أو بسبب توافر الأسئلة والأجوبة، بل من أهم عوامل نجاحه: الاختيار الدقيق الواعي لمحتوى كل فقرة من الفقرات». ولا جدال في أن «العلمي» من رواد الإعلاميين العرب الذين حققوا نجاحاً غير مسبوق في برامج المسابقات الإذاعية والتلفزية على حد سواء، ولا ننسى في هذا المجال شهادة الأستاذ الدكتور شاكر مصطفى وزير الإعلام السوري السابق، ورئيس قسم التاريخ بجامعة الكويت، رحمه الله وغفر له، لاسيما أنها تمحورت حول المضمون الثقافي الأدبي للبرنامج والكتاب، فتراه يعود إلى التاريخ ليجد كتاب «سين جيم» يتماهى، بمعنى من المعاني مع المصنفات الأدبية لعمنا أبي عثمان الجاحظ الذي كانت مؤلفاته كلها «زهرة من هنا وطرفة من هناك، ومعلومة صغيرة... إلخ»... و«من خلّف لا يموت أبداً».

back to top