Ad

هشاشة الديموقراطية وعثراتها المتكررة من جانب، ومحاولات تطويعها وتسخيرها لخدمة أهداف ومآرب تستهدف أصلها وبقاءها وتطبيقيها الحقيقي من جانب آخر حرمت بلداً مثل الكويت، رغم إمكاناته الهائلة وشعبه المفعم بالإرادة من بناء مؤسساته الدستورية بناءً تكاملياً أكثر تطوراً ونضجاً، وأضاعت فيه هيبة القانون وسيادة النظام العام.

تبقى الديموقراطية الكويتية متميزة حتى في غرابة أطوارها، ويصعب في الكثير من الأحوال إخضاعها للتقييم الموضوعي المعياري وفق نظريات السياسة والحكم، وآخر دليل على ذلك الطلاق البائن بين حكومة وُسِمت «بالإصلاحية» ومجلس 2006 الذي انتخب تحت غطاء وطني بعنوان «الإصلاح» السياسي أيضاً!

وإذا أخذنا المسار التاريخي للممارسة السياسية في الكويت على مدى نصف قرن من الاستقلال فإن المفارقة الكبرى تتمثل في العثرات المستمرة في دولاب الديموقراطية، بل المتزايدة بعكس منطق النضج السياسي المفترض في ثقافة الحكم الديموقراطي، فخلال الفصول التشريعية الأحد عشر في الحياة الدستورية نجد أن أكثر من نصف محطاتنا الديموقراطية قد فشلت في إكمال عمرها الافتراضي، حيث شهدت تجربتنا ستة إخفاقات منها مجلس مزور وحالتان للحل غير الدستوري وثلاث حالات من الحل الدستوري، بل تفاقمت الأزمة بين السلطتين خلال العقد الأخير تحديداً إلى حد الفراق ليسجل حل مجلس الأمة ثلاث مرات من خلال أربعة فصول تشريعية متتالية ومرتين متعاقبتين خلال أقل من سنتين.

وشمل الفشل في ترتيب العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية جميع الاحتمالات الممكنة، فلا حكومة «فاسدة» تستطيع العمل مع مجلس «إصلاحي» ولا حكومة «فاسدة» قادرة على مجاراة مجلس «فاسد» ولا حكومة «إصلاحية» نجحت في التعايش مع مجلس «فاسد» وأخيراً لا مجال لتعاون حكومة ومجلس «إصلاحيين» في التعريف السياسي لهذه المصطلحات!!

ومن الواضح خلال التجربة السياسية برمتها أن مثل هذه النتيجة التي جنيناها بالأمس، وهي حل مجلس الأمة سوف تتكرر بالتأكيد لسبب بسيط وغاية في الأهمية في نفس الوقت، وهو وجود قوى دافعة مازالت فعالة وضعت السياسة الكويتية برمتها بين السندان والمطرقة: سندان العمل على إلغاء الديموقراطية برمتها ومطرقة فرض ديموقراطية طيعة وشكلية ومنزوعة الأسنان، وما هذه العثرات التي تواجهنا على مدى الخمسين سنة إلا صراعا مستمرا بين نهجين متناقضين، ومن الواضح أن كلاً منها صاحب نفس طويل وإصرار على موقفه، وحتى يهزم الطرف المقاوم للديموقراطية، وهذا هو بالتأكيد الأمل الوحيد والأرجح وفق السنين التاريخية والتكامل البشري والمد الديموقراطي الجارف عالميا، يبقى البلد يدفع ثمن هذا الصراع على أكثر من صعيد في المنظور العام للممارسة السياسية الكويتية.

فهشاشة الديموقراطية وعثراتها المتكررة من جانب، ومحاولات تطويعها وتسخيرها لخدمة أهداف ومآرب تستهدف أصلها وبقاءها وتطبيقيها الحقيقي من جانب آخر حرمت بلداً مثل الكويت، رغم إمكاناته الهائلة وشعبه المفعم بالإرادة من بناء مؤسساته الدستورية بناءً تكاملياً أكثر تطوراً ونضجاً، وأضاعت فيه هيبة القانون وسيادة النظام العام لمصلحة الترهل في الخدمات العامة وتفشي الواسطة والمحسوبية والتحريض على كل أنواع الفساد، وأخفقت في صهر مكوناته البشرية في بوتقة اللحمة الوطنية الحقيقية، ومع كل ذلك سوف نعود جميعاً إلى نقطة الصفر من جديد لننتظر اليوم الموعود في السابع عشر من مايو القادم لنحاول وضع لبنة أخرى في صرح الديموقراطية التي نغني على أوتارها ألحان الوطنية... لعل وعسى!!