حضرت قبل أيام حلقة نقاشية نظمتها الهيئة العامة للتعليم التطبيقي بعنوان «إقرأ لغدٍ أفضل». جلستُ صامتاً استمع الى آراء الأساتذة المشاركين، وقد أجمعوا على ضعف المستوى العام للطلاب في اللغة العربية، حيث يعجز البعض عن كتابة جملة صحيحة إملاءً وإعراباً، وأشاروا إلى تفشي ظاهرة البحوث المشتراة من مكاتب الأبحاث الجاهزة، ولفتت نظري شهادة أحد الطلاب، حين قال : «تعودنا على شراء الأبحاث الجاهزة، وأحياناً يشترك أكثر من طالب لدفع ثمن البحث». وزاد أحد الأساتذة قائلاً: «هناك أساتذة متواطئون مع مكاتب البحوث ولهم نسبة من أجرة كل بحث».
كنت أحضر الحلقة بصفتي الأدبية من جهة، وبصفتي ممثلاً عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب من جهة أخرى، وحين جاء الدور عليَّ لأقول رأيي في قضية القراءة، وتحديداً ظاهرة العزوف عن القراءة بين الناشئة والشباب تحيّرت من أين أبدأ، فأنا اشعر بأن المشكلة كبيرة وخطيرة. كبيرة نتيجة الجفوة الحاصلة بين أبنائنا والقراءة والكتاب، وكبيرة نظراً الى المستوى المتدني الذي بلغه أبناؤنا خريجو الجامعة والمعاهد التطبيقية، وكبيرة كون القراءة هي مفتاح باب المعرفة، وأن المعرفة هي لغة العصر وسلاحه، وكبيرة بحجم محبة الوطن، والحلم بالأجيال القادمة المستنيرة والمثقفة، وأخيراً أرى أنها خطيرة إلى درجة تستلزم النظر إليها بوصفها مشكلة وطنية، فكلنا يعرف قول الشاعر: العلم يبني صروحاً لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والكرم لذا وجب الوقوف عند مشكلة العزوف عن القراءة، لا بوصفها مشكلة تتعلق بعلاقة الطالب بالكتاب والمدرسة والجامعة، بل بوصفها موقفاً حياتياً من جدوى العلم والأدب، وأهميتهما في صنع مستقبل الأمم. إن الدارس لتاريخ الكويت الثقافي يرى أن هناك علاقة وطيدة كانت قائمة على الدوام بين الكويتي وطلب العلم والمعرفة، وأن ذلك، إلى جانب عناصر أخرى، جعل للكويت مكانة متقدمة على خريطة التعليم والثقافة في المنطقة، وضمن لها الريادة في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية، مما يستلزم بالضرورة التأمل في ما وصلت إليه العلاقة المتردية بين أبنائنا الطلبة، في مختلف المراحل الدراسية، وبين القراءة والمعرفة. إن العمل لمستقبل الكويت المأمول، المستقبل القائم على العلم والمعرفة والإبداع، في زمن القرية الكونية وثورة المعلومات وشبكة الإنترنت، يحتم الدعوة إلى تنظيم مؤتمر وطني على مستوى الدولة، مؤتمر تشارك فيه مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية والأفراد من مبدعين ومثقفين للتباحث في ظاهرة العزوف عن القراءة. قد يتبادر إلى ذهن البعض أن هكذا دعوة تشكل ترفاً ثقافياً زائداً، لكن واقع المستوى التعليمي الفعلي لطلبتنا يقول غير ذلك، وواقع العلاقة بين أبنائنا والقراءة والكتاب والإطلاع يقول غير ذلك، وواقع حركة تداول الكتاب الإبداعي والمعرفي يقول غير ذلك. وإن هذا الواقع المرير يقرّ بأنّ على المخلصين من أبناء هذا الوطن تدارك الوضع، والتضامن للدعوة إلى مؤتمر كهذا. مؤتمر تشارك فيه وزارة التربية والتعليم العالي، ومجلس الأمة، وجامعة الكويت، ووزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وجمعيات النفع العام المعنية. لذا فإن تقبّل سمو رئيس مجلس الوزراء الموقّر لهذه الدعوة، وتوليها برعايته الكريمة، والأمر بالتحرك لدراستها والإعداد لها، قد يجعل من هذا المؤتمر منعطفاً مهماً في تاريخ الثقافة في الكويت، خاصة لتعلّق سموه بالقراءة وعلاقته الطيبة بالثقافة والآداب، وعلى ذلك نعقد الآمال.
توابل - ثقافات
سموّ الرئيس ومؤتمر القراءة
09-06-2007