Ad

نقترح أن تطلب دول العالم المتخلف، وضمنها الكويت طبعاً، من الأمم المتحدة إنشاء جهاز مختص، على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تقوم بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل، لتكون مهمته القيام بالتفتيش على ما تحتويه الكتب من معلومات وبيانات، ومنع ما لا يناسب «أوصياء» كل دولة.

ماذا سيكون رد فعلك لو أتى لك شخص وقال: لن يسمح لك بالتنفس إلا من خلال مجموعة من الأشخاص! وعند سؤالك اياه عن السبب سيقول لك: لأنه يوجد في الجو حشرات طائرة لا نثق بأنك تستطيع تمييزها! أو أنه قال لك: سنختار لك ملابس الشتاء لأننا غير واثقين انك ستختار الملابس التي ستقيك من برودة الشتاء! أو لو فاجأك بالقول: إن الحكومة ستختار لك نوع الطعام الذي تأكله لأنك لا تعرف أنواع الأطعمة الخاصة بالاستهلاك البشري! أو أن جهاز الرقابة الحكومي سيختار لك نوعية الماء الذي تشربه، لأن هناك مياها صفراء لا نثق بأنك قادر على تمييزها!

في اعتقادي أن ردة فعل أي إنسان عاقل ستكون الاستغراب، ورفض الوصاية من أي شخص مهما كان، لان العاقل والواعي يستطيع التمييز بين ما ينفعه وما يضره، وإذا كان الإنسان وبعد أن يبلغ سن الرشد لا يستطيع تحديد الضار من النافع، فان هناك حتماً خللاً بنيوياً في نظام التعليم وهشاشة في التربية الأسرية.

فنحن نعلم الأطفال، خصوصا في مراحل العمر الأولى، كيف وماذا يأكلون ويشربون؟ وماذا يقرأون؟ ومع مَن يلعبون؟ كما تقوم المدرسة من جانبها بتعليمهم مهارات الحياة الأخرى، لكن بعد بلوغ سن الرشد وإنهاء مراحل التعليم الأساسية، فمن المفترض أن يكون لدينا إنسان متعلم وواع وقادر على مواجهة ظروف الحياة المختلفة، وتحديد اختياراته الحياتية، وتكوين فلسفته الخاصة لما حوله التي تختلف من شخص لآخر حتى بين الأشقاء، فالناس ليسوا نسخاً متطابقة بعضهم البعض، فما يعجب به أحدهم قد لا يروق للآخر.

كما أن محاولة خلق قوالب متشابهة من البشر عملية عبثية وغير مجدية، بل لنقل وغير إنسانية أيضاً، ولكنها حتماً تساهم في تخلف المجتمعات، ولنا في بعض الدول الديكتاتورية خير مثال على ذلك.

لذا فإننا نتساءل هنا لماذا تهاب بعض دول عالمنا المتخلف من الكتب، وتفرض رقابتها عليها، وكأنها أسلحة دمار شامل؟ أليس تحديد ماذا يقرأ الإنسان هو بمنزلة وصاية على عقله؟ ومَن منح الدولة هذه الوصاية؟ كيف لإنسان عاقل أن يرضى بأن نحدد له ماذا يقرأ؟ ثم هل يمكن أن تؤدي هذه الوصاية الحكومية إلى نتيجة إيجابية؟ ماذا جنينا، مثلاً، من منع رواية «أولاد حارتنا» للأديب الكبير نجيب محفوظ خلال سنوات طويلة، وماذا جرى الآن بعد السماح بتداولها؟ هل تزعزعت «ثوابت الأمة»؟

لماذا لا نحصن أجيالنا بالمعرفة العلمية والتفكير الابتكاري الخلاق الذي يجعلهم قادرين على تمييز الغث من السمين، ومقارعة الحجة بالحجة، والإيمان بالأفكار والمبادئ نتيجة اقتناع ومعرفة، وليس نتيجة ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا؟!

إن الوعي يتشكل أساساً من الاطلاع والمعرفة لأن الإنسان عدو ما يجهل كما يقال، وتعتبر الكتب أسلحة دمار شامل للجهل والتخلف. لهذا فإن «أوصياء» دول العالم المتخلف في محاولتهم لزيادة جهل الإنسان بما حوله، يعتبرون أن الكتب لا تقل خطورة عن المفاعلات النووية، ويطالبون بمراقبتها ومنعها!

لذا فإننا نقترح أن تطلب هذه الدول، وضمنها الكويت طبعاً، من الأمم المتحدة إنشاء جهاز مختص، على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تقوم بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل، لتكون مهمته القيام بالتفتيش على ما تحتويه الكتب من معلومات وبيانات، ومنع ما لا يناسب «أوصياء» كل دولة، أو ما رأيكم أن تطالب هذه الدول الأمم المتحدة بمنع إنتاج الورق حتى لا تتم طباعة كتب من الآن فصاعداً؟ ولكن ماذا عن النسخ الالكترونية للكتب المتوافرة مجاناً على شبكة الإنترنت؟ هذه تمنع أيضاً بأمر من الأمم المتحدة، بل ويلغى الإنترنت «اللعين»، لأنه يوفر معلومات لا يمكن منعها! وماذا عن الجامعات ومراكز العلوم والأبحاث؟ تغلق فوراً أيضاً لنعود الى ما كان عليه الإنسان الأول.

ولكن الإنسان الأول يفكر أيضاً، والأفكار عادة تتصارع وتتلاقى لتنتج المعرفة الإنسانية التي تنتشر بين البشر، وتطور إدراكهم وفهمهم للكون ولفلسفة الحياة... إذن، لا حل أمام «الأوصياء» في الدول المتخلفة وحكوماتها إلا القضاء على الإنسان!