Ad

وزراء الإعلام سيعيدون الرأي العام العربي عنوة إلى الاستماع إلى إذاعات الـ«بي بي سي»، و«إسرائيل»، وغيرهما لمعرفة ما يجري في ديار العرب.. كما هو شأنهم مع إعلام الخمسينيات رحمه الله وغفر له! وغاية ما نتمناه هو أن تكون الوثيقة محل حوار وبحث ودراسة من قبل اللجنة المختصة بمجلس الأمة. وكل ما أخشاه هو إحالة أوراق الوثيقة إلى المفتي، دلالة على الرغبة في إعدام الإعلام الحر.

الاجتماع الاستثنائي (لاحظ مسألة أنه استثنائي) لوزراء الإعلام العرب تمخض اجتماعه غير العادي، «السوبر» إن شئت وشاؤوا، فولد وثيقة لها العجب: قوامها اثنتا عشرة فقرة مصوغة بمداد الحق الذي يراد به القمع والمنع والمصادرة وإلغاء الترخيص، وتكميم الأفواه، وتكسير الأقلام، وإسكات الميكروفونات الملعلعة بالحوار الصريح الجريء (كما حدث لبرنامج ستة على ستة)، وغيره من برامج «التوك شو» التي يراد لها أن تكون مجرد «شو» بس!

هذا هو الانطباع السلبي السيئ الذي خرجت به إثر قراءتي لوثيقة «تنظيم» البث الإذاعي الفضائي مرئياً كان أم مسموعاً! والوثيقة كما يتبدى من بنودها وفقراتها الاثنتي عشرة، تسعى إلى إلزام هيئات البث ومقدمي خدماته إلى احترام مبدأ السيادة الوطنية والسلم الاجتماعي، لكل دولة في فضائها وعلى أرضها! وجدير بالذكر أن دولة قطر رفضت الوثيقة قطعياً، بينما تحفظت عليها كل من الأردن ودولة الإمارات! زد على ذلك مسألة أن الوثيقة تمنح كل دولة عربية الحق في منع بث أي مواد إعلامية تحرض على الكراهية والإرهاب، وتلزمها بضمان حق المواطن في الاتصال وتداول المعلومات بحرية وشفافية، خصوصاً متابعة الأحداث الوطنية والإقليمية والدولية، كالمناسبات الرياضية المأسورة بسجن «التشفير» و«الحصري».

إن الوثيقة بدت لي مثل خلطة: «سمك لبن تمر هندي»، فضلاً عن أن العديد من عباراتها مطاطة وحمالة أوجه، تدس السم في العسل، لكي تكون في المحصلة النهائية سيفاً مصلتاً على الإعلام والإعلاميين! بحيث تسمح صياغتها العجيبة، للسلطات بتفسيرها كما تحب وتهوى وتشاء! ومن هنا نفهم الموقف القطري الرافض للوثيقة، إذ يستوجب الأمر بالنسبة لقطر إحالتها إلى الجهات التشريعية والقانونية في الأقطار العربية كافة.

ولا أظن أن ثمة دولة عربية ستحفل بموقف قطر الرافض للوثيقة، بل إنها ستسعى إلى تمريرها عبر البرلمانات إياها! ولا نجادل في أن الوثيقة تتضمن الكثير من الكلام المرصع بالحق، إلا أنه ذلك الحق الذي يراد به قمع الفضائيات العربية المستقلة، ووأد صحافة وأدب الفضاء الحاسوبي الرقمي بتجلياته كلها الموضوعية والتقنية، الأمر الذي يحيل الوثيقة إلى وثاق يكبل حرية الاتصال، و«يكلبش» حرية تداول المعلومات، بحيث تكون الفضائيات توأماً مسخاً لمحطات التلفزيون الحكومية التي لا يشاهدها سوى القلة. ولا يحتاج قارئ الوثيقة إلى معدل ذكاء مرتفع ليعي ويعرف أن الوثيقة صيغت وأُقرت من قبل الوزراء لتهميش الإعلام الأهلي المستقل الحر! ذلك أن الإعلام الحكومي، ولله الحمد، لا يحتاج إلى أغلال وأصفاد الوثيقة ذلك كونه يسير على السراط السلطوي المؤدب الذي «لا يهش ولا ينش»، ما دام ما برح يراوح في فضاء إعلام وأخبار (سافر معالي الوزير الفلاني، وعاد معالي الوزير الترتاني)، الأمر الذي يحرض المشاهد على متابعة أخبار بلاده الحقيقية من الفضائيات المستقلة عربية كانت أم أجنبية،

فوزراء الإعلام سيعيدون الرأي العام العربي عنوة إلى الاستماع إلى إذاعات الـ«بي بي سي»، و«إسرائيل»، وغيرهما لمعرفة ما يجري في ديار العرب.. كما هو شأنهم مع إعلام الخمسينيات رحمه الله وغفر له! وهذه ردّة ضارة لا تتناغم مع مبادئ حقوق الإنسان، وتخاصم منجزات الألفية الثالثة في مجال الاتصال الحديث،

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيوافق مجلس الأمة على الوثيقة بقضها وقضيضها لا سمح الله؟! إن غاية ما نتمناه هو أن تكون الوثيقة محل حوار وبحث ودراسة من قبل اللجنة المختصة بالمجلس، ومن ثم يتم عرضها على المجلس ليتخذ بشأنها القرار المنحاز إلى الحريات، فهل يفعل؟! أخشى ما أخشاه هو إحالة أوراق الوثيقة إلى المفتي، دلالة على الرغبة في إعدام الإعلام الحر.