Ad

لو قيض لكتابَي: (المراجعات، والدنيا أجمل من الجنة) كاتب سيناريو محترف مثل الصديقين المبدعين الفذين: محفوظ عبدالرحمن، وأسامة أنور عكاشة... لشاهد الملايين مسلسلاً تلفزياً يتصدى للإرهاب بالاتكاء على مقولة «وشهد شاهد من أهلها».

* سألني الصديق الروائي الفيوفي البدوي «حمد أبو جليل» عن سبب حماسي الشديد لمراجعات أمير وفقيه جماعة الجهاد المصرية، التي تنشر في «الجريدة»، فضلا عن وجود المتن نفسه بموقع «الجريدة» في بر الشبكة العنقودية «الإنترنت» قلت له: الحق أني فرح ببادرة المراجعة؛ لكونها حَرّية بالاحتشاد والقراءة النقدية والتحليل من قبل الخبراء والمختصين في الفقه وعلوم النفس والاجتماع وغيرهم، إضافة إلى قراءتها من قبل عامة المتلقين وخاصتهم عبر الصحف والإنترنت. ذلك انه من النادر وفق ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا أن يبرز واحد منا ليعترف بأخطائه وخطاياه، ربما لأن ثقافة «العزة بالإثم» هي الحاضرة في نسيج سلوكنا وممارساتنا الحياتية اليومية! كما تتبدى لنا، بتجليات شتى في حوارنا مع الآخر وموقفنا منه!

وقد تداعى إلى ذاكرتي، وأنا أطالع المراجعات، كتاب «الدنيا أجمل من الجنة» الذي صاغه «خالد البري» الأصولي المصري، مسجلاً سيرة حياته الأصولية المتشددة، خصوصاً علاقته بالجماعات الإسلامية المتطرفة، وما تمخض عنها من تغير انقلابي في سلوكه تجاه نفسه، وتجاه الآخرين من ذويه وأصدقائه ومجتمعه، لاسيما أولئك الذين يختلفون عنه في الدين، ومعه في الرأي! ولعل مزية مصنف «الدنيا أجمل من الجنة» تتضح في شفافيتها، وتمحورها حول طقوس وعادات الحياة اليومية «للجهاديين» بأمانة تصل حد التسجيل والتوثيق.

يقول المؤلف في توطئته التمهيدية للكتاب «بكل بساطة؛ أنا لم أشارك في تدريبات «جهادية» وليس في جعبتي حكايات غريبة عن الأمراء الذين يتزوجون من بدا لهم من أقارب «الأتباع» فماذا لديَّ؟ ولماذا يهتم أحد بحكايات «عادية» لإنسان عادي»؟!

وهي مقولة صحيحة لا أحسبه يقولها بداعي التواضع، لكن عاديتها هذه أضفت عليها جاذبية لكونها تقتحم أسوار وأسرار حياة «الجهاديين» المتسربلة بالتعتيم الدامس.

* والعامل المشترك بين الدكتور فضل وبين «البري» يكمن في أن الاثنين نكصا عن قراءتهما الخاطئة للفقه المجتث من سياقه التاريخي والعقيدي والفقهي! ولو قيض لهذين الكتابين: (المراجعات، والدنيا أجمل من الجنة) كاتب سيناريو محترف مثل الصديقين المبدعين الفذين: محفوظ عبدالرحمن، وأسامة أنور عكاشة... لشاهد الملايين مسلسلاً تلفزياً يتصدى للإرهاب بالاتكاء على مقولة «وشهد شاهد من أهلها»، ويسبر غور الأسباب والمبررات والدوافع التي تحرض مسلماً متعلماً وطبيباً جراحاً- كان الأول على دفعته- وأمثاله على خيار التشدد والتطرف المدججين بالعنف والإرهاب رغم أنه يعلم بدقة حُرمة روح الإنسان ويدرك شدة عقوبتها. «إذ لا شيء يجلب سخط الرب ونقمته كسفك الدماء، وإتلاف الأموال بغير حق» بحسب تعبير الدكتور فضل نفسه. والدكتور فضل هو أحد اسمائه الحركية المتعددة، أما اسمه الحقيقي فهو «سيد إمام عبدالعزيز الشريف»، ويمكن إضافة لقب آخر هو «سيد» المصالحة مع الذات، و«إمام» المراجعة الفقهية الصارمة، سعياً إلى تنقيتها من الأخطاء والخطايا المتبدية في «أخطر تلك المخالفات مثل: «القتل على الجنسية، وبسبب لون البشرة أو الشعر، وعلى المذهب، وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين، واستحلال أموال المعصومين، وتخريب الممتلكات»، كما يقول مولى المراجعات في مقدمتها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن صياغته لفقه «الجهاديين»، ومن ثم تراجعه ونكوصه عنه، تبدأ وتنتهي بالنص الفقهي! ومثلما نُسب إلى سيدنا علي رضي الله عنه أن القرآن الكريم حمّال أوجه، ما الذي يمكن أن يُقال في التراث الفقهي الثري بالغث والسمين؟! يقول أرسطو: إذا اختلف أفلاطون والحق؛ وكلاهما لنا صديق؛ وقفنا مع الحق.

ويبدو أن هذا ما اختاره الدكتور فضل وفعله، ومن هنا تجد أن بعض مريدي ورفاق الأمس من جماعة الجهاد المحبوسين في السجون يرفضون المراجعات، ويزعمون بأنها صيغت بمداد ومحبرة أمن الدولة، وفق صفقة توفيقية لتخدم في النهاية النظام الذي قمعهم وحبسهم، ولا سبيل إلى مصالحته مطلقاً. ولعله كان يحدس بموقف هؤلاء الرافضين ومن لف لفهم! إذ يذكر في مقدمته للمراجعات: (لا يجوز الرفض المسبق لما ورد في هذه الوثيقة بحجة أنها كتبت في السجن، أو بدعوى أنه لا ولاية لأسير) والعبد لله يعتقد أن المهم ليس هو المكان الذي كُتبت فيه المراجعات، بل في مضمونها. إن دائرة العنف المتفجرة المتبادلة بين الأنظمة والمجتمعات من جانب والجماعات الإرهابية من جانب آخر، لا يمكن لها أن تخف وطأتها المدمرة، ومن ثم السيطرة عليها، لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالحوار بالتي هي أحسن وأجدى، لاسيما أن هذه الأنظمة جرَّبت الحوار بالتي «تعور» و«تعذب» و«تخوزق»، و«تقمع» من دون جدوى! إن القاعدة النظرية العقيدية والفقهية للتيار الجهادي كله تحتاج بالضرورة إلى مراجعة شجاعة كما فعل الدكتور فضل.