ليس مهماً أن نحكم على تصريحات النائب سعدون حماد الحالية بخصوص الاستجواب، لأنها في النهاية ليست سوى (كلام جرايد)، لكن المهم أن نحكم عليه حين يتم تقديمه فعلاً، وحينها سنتخذ موقفنا من محاوره وصحتها وقيمتها ولن يهمنا آنذاك لو كان للشيطان نفسه يدٌ في الموضوع!هناك كليشيه دائم يقول «إن الاستجواب حق دستوري، ولكن لا للتعسف في استخدامه». كليشيه شهير جداً، بل لعله المقولة الأشهر من كل التصريحات التي يأتي بها الوزراء، حتى أولئك الذين لا يهشون ولا ينشون وليس لهم في التصريحات الإعلامية لا ناقة ولا جمل ولا حتى تيس صغير، ويقولها النواب جميعهم، حتى أولئك الذين جاء بهم الله ليذكرنا بأن له في خلقه شؤونا!
هذا الكليشيه المتكرر، الذي كان آخر من استخدمه حتى ساعة كتابة هذا المقال النائب دعيج الشمري، إن نحن أردنا أن نخضعه للتمحيص أقصد الكليشيه وليس دعيج سنجد أن له شقين. شقا سليما لا مجال للاختلاف فيه، وشقا سقيما لا معنى له!
لا يختلف أحد على أن الاستجواب حق دستوري، فهذا منصوص عليه في الدستور وفي مذكرته التفسيرية، لكن الاختلاف سيكون في جزئية لا للتعسف في استخدامه! ما معايير ومقاييس التعسف المقصود؟ وكيف يمكن للمرء أن يحكم على استجواب ما بأنه متعسف، واستجواب آخر بأنه غير متعسف؟! ومن الذي له الحق أن يحكم أصلاً؟ أعتقد أن المسألة مطاطة جداً وخاضعة للمزاجية إلى حد كبير.
المعيار الرئيس في الحكم على أي استجواب هو محاوره المعلنة، وتماشيه مع اللوائح البرلمانية المنظمة لهذه الأداة، وبالتالي إن تقدم أي نائب بطلب استجواب، فالمقياس الحقيقي حينها هو ما لديه من مادة، وعدد من سيقف معه من النواب لوضع الوزير على المنصة. وحينها، وإذا اشتبكت دموع في خدود، تبيّن من بكى ممن تباكى!
هذه هي المعايير التي يجب أن نستخدمها للحكم على الاستجوابات المعلنة. وهذا الكلام ينطبق تماماً على الاستجواب الذي أعلن النائب سعدون حماد أنه سيوجهه الى وزير الداخلية الشيخ جابر المبارك.
القول إن للشيخ أحمد الفهد يداً في الموضوع، وأنه هو من يقف في الحقيقة خلف سعدون، سيبقى أمام الناس في النهاية قولاً بلا دليل، وكلاماً بلا أساس. وحتى لو كان له من الصحة نصيب، فالمعيار الموضوعي لابد أن يبقى مستنداً إلى الحكم على محاور الاستجواب المقدمة وصحتها وقيمتها، وهل ترقى إلى مستوى محاسبة وزير الداخلية وبعدها طرح الثقة به أم لا... هذا هو المعيار.
صحيح أن سعدون حماد نائب صاخب نوعاً ما، وتعودنا منه ألا يظهر في الإعلام في الأغلب إلا في ظل غمامة من التصريحات المثيرة، وصحيح أنه من النواب الذين أدخلوا الى قبة البرلمان قاموساً جديداً من الألفاظ جعلت التلفزيون والصحف تحجم عن نشرها لمجافاتها الذوق العام، وصحيح وصحيح وصحيح، لكن علينا في نهاية المطاف أن نتجرد من كل مشاعرنا السلبية تجاه الرجل، وأن نلتزم الموضوعية في الحكم على الاستجواب الذي ينوي تقديمه.
ليس مهماً أن نحكم على تصريحاته الحالية بخصوص الاستجواب، لأنها في النهاية ليست سوى (كلام جرايد)، لكن المهم أن نحكم عليه حين يتم تقديمه فعلاً، وحينها سنتخذ موقفنا من محاوره وصحتها وقيمتها ولن يهمنا آنذاك لو كان للشيطان نفسه يدٌ في الموضوع!