Ad

يبدو هذا السباق المتصاعد أمراً طبيعياً في عالم يعتمد على النفط كمصدر أساسي للطاقة، ولذا فمن البديهي أن يستمر هذا الصراع، ومن هنا لم يعد في مقدور الدول المنتجة للنفط أن تعيش في سلام وهدوء بعيداً عن هذه الأجواء المفعمة بالمنافسة الشرسة على استخراج النفط ونقله.

شهدت السنوات الأخيرة تنافسا محموما على صفقات نقل النفط والغاز الطبيعي، لم يقتصر على شركات الطاقة العملاقة، بل تدخلت فيه قوى كبرى بشكل مباشر، بحيث باتت منطقة بحر قزوين على سبيل المثال لا الحصر مكانا تتصارع فيه مصالح واستراتيجيات أطراف دولية عديدة، وها هي منطقة غرب أفريقيا تدخل حيز تلك المنافسة الشرسة بعد أن أظهرت المسوح الجيولوجية أن الأراضي التي تحيط بخليج غينيا تعوم على بحيرة من النفط الخام.

وبالطبع فإن هذا الأمر يُعزى إلى أن الثروة النفطية، بصفة عامة، تعد سببا رئيسا للتنافس الدولي الذي قاد في كثير من الأحيان إلى مواجهات عسكرية، حيث الصراع المرير بين الحكومات والشركات المتعددة الجنسيات على الثروة النفطية، سواء تعلق الأمر بالتنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره، أم بنقله وتصديره إلى الدول الصناعية الكبرى.

ومما لا يخفى على أحد أن منطقة آسيا الوسطى والقوقاز كانت مهملة، في نظر العالم المعاصر، لكن حين أظهرت المسوح الجيولوجية أنها تمتلك ثاني احتياطي نفطي وأكبر احتياطي من الغاز الطبيعي على مستوى العالم سارعت الدول الكبرى والشركات العملاقة، التي تؤدي دورا بارزا في السياسات الخارجية لهذه الدول في طرح عروض للتنقيب عن النفط ونقله، ومن ثم البحث عن وسائل سياسية واقتصادية لضمان استمرار حصولها على هذه المكاسب.

لقد برزت الصراعات، بين تركيا وروسيا وإيران للظفر بالجزء الأكبر من صفقة نقل النفط والغاز من هذه المنطقة، وراحت دول جنوب شرق آسيا تعمل على ترتيب أوضاع سياسية من أجل الحصول على الطاقة من هذه المنطقة. وقامت الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها أكبر مستهلك للطاقة في العالم، بتكثيف وجودها في المنطقة، ودفعت تركيا وأذربيجان إلى تبني مشروع يجعل من باكو مركزا لتجميع أنابيب النفط القادمة من الدول المطلة على بحر قزوين، توطئة لتصديره إلى العالم الخارجي، عبر ميناء جيهان التركي على البحر الأسود.

ووصل الأمر إلى تبني إحدى الشركات الأميركية مشروع بناء أنبوب يصل مرفأ بورجاس البلغاري على البحر الأسود أيضا بمرفأ فلوري الألباني، للمساعدة في نقل نفط بحر قزوين إلى الولايات المتحدة. وتزامنت هذه الخطوة مع البدء في تشغيل أنبوب آخر يصل حقل تنجيز النفطي في كازاخستان بمرفأ نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود كذلك، في وقت كانت تجري فيه الاستعدادات على قدم وساق ببلغاريا لتنفيذ مشروع آخر لبناء أنبوب نفطي من بورجاس إلى مرفأ الكسندروبوليس اليوناني على بحر إيجه.

والملح البارز في كل هذا هو إصرار الولايات المتحدة على حرمان طهران من أن تظفر بجزء من صفقات نقل نفط بحر قزوين، فواشنطن أكدت مرارا أنها لن تعيد النظر في مشروع باكو جيهان مهما كانت تكلفته الاقتصادية، المقدرة بنحو 9.2 مليار دولار، وأنها ماضية في سبيل إنجاز المشروع. وترجمت الإدارة الأميركية موقفها هذا بوضوح شديد عبر وثيقة حول استغلال النفط والغاز في منطقة بحر قزوين، ذكرت فيها صراحة أنها تسعى إلى إبعاد إيران عن الاستفادة من صفقات نقل النفط والغاز الطبيعي من منطقة بحر قزوين.

وكثيرا ما ردت إيران على هذا التصرف بتحذير واشنطن من مغبة التدخل في بحر قزوين بما يؤثر سلبا في المساعي الرامية إلى التوصل لاتفاق قانوني بين الدول المطلة عليه، يسمح لها باقتسام ثرواته النفطية. لكن الأميركيين ماضون في طريقهم بلا هوادة، ودخولهم على خط صفقات توزيع ونقل النفط من هذه المنطقة ألقى بظلال كثيفة على مساعي إيران ومعها روسيا الاتحادية لتقسيم هذه الثروة الهائلة.

ولم تسلم المناطق التي يوجد النفط فيها بكميات ضئيلة مقارنة بمنطقة الخليج العربي أو بحر قزوين أو بحر الشمال، من الصراع حول الطاقة. فقد تردد أن النفط كان أحد بواعث النزاع بين إريتريا واليمن على جزر حنيش، في حين أنه شكل مآرب المتقاتلين في الحرب الأهلية السودانية، وهو السبب في بعض المشاحنات بين دول غرب أفريقيا.

ويبدو هذا السباق المتصاعد أمرا طبيعيا في عالم يعتمد على النفط كمصدر أساسي للطاقة، ولذا فمن البديهي أن يستمر هذا الصراع، ومن هنا لم يعد في مقدور الدول المنتجة للنفط أن تعيش في سلام وهدوء بعيدا عن هذه الأجواء المفعمة بالمنافسة الشرسة على استخراج النفط ونقله، وأصبح على منتجي هذه السلعة الاستراتيجية المهمة أن يكافحوا في سبيل أن يجدوا صيغة للتعامل مع هذا الوضع الشائك أقل كلفة، وأكثر أمنا.

* كاتب وباحث مصري