لم يكن قرار الحل مفاجئاً للكثيرين، إلا الذين اعتمدوا وراهنوا على أن الحكومة سوف تفكر مئة مرة قبل أن تقدم على أي خطوة قد تؤدي إلى حل المجلس خوفاً من ذلك المجهول، الانتخاب طبقاً للدوائر الخمس، والذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه، رغم كل التخمينات، واعتماداً على هذا الظن تجاوزت ممارسات بعض الأعضاء الحدود التي يمكن أن تتحملها الحكومة، أو يتحملها الوزراء، فكانت استقالتهم المسببة، وكان قرار الحل.
ولعل من هذه الممارسات ما دار في جلسة مجلس الأمة 4 مارس من مطالبة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة فيصل الحجي بتأجيل مناقشة زيادة الخمسين ديناراً لمدة أسبوعين حتى يرد تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية، وإصرار أغلبية أعضاء المجلس على إنهاء النقاش والتصويت مما أدى إلى انسحاب الحكومة ورفع الجلسة ومقاطعة الحكومة للجلسة بعد إعادة عقدها، وما تعرض له موقف الحكومة من انتقادات النواب، تركزت حول اتهامها بالتأزيم وعدم التعاون، بالرغم من أنها كانت تستخدم حقاً دستورياً تفرضه الأصول الصحيحة للممارسة الديموقراطية قبل أن تفرضه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.وذلك أن الديموقراطية تقوم على مبدأ أساسي هو احترام رأي الأقلية وإفساح الصدر لها في أن تعبر عن رأيها وأفكارها وتصوراتها، فكما أن للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، ويبدو هذا النظر أكثر إلحاحاً عندما يتعلق الأمر بالحكومة وهي سلطة دستورية موازية للسلطة التشريعية، فضلاً عن كونها جزءاً مهماً وأساسياً في هذه السلطة، تشاركها في مناقشة القوانين وإقرارها، وتقدم للسلطة التشريعية ما لديها من بيانات ومعلومات وحقائق ودراسات قد تغيب عن كثير من أعضاء مجلس الأمة.ولا جدال في أهمية مشاركة الأقلية ومشاركة الحكومة في المناقشة والحوار حول كل موضوع مطروح على المجلس وصولاً إلى الحقيقة، وتحقيقاً لمصلحة عامة هي أولى بالاعتبار، من استعجال نظر موضوع والتصويت عليه، بقرار تصدره الأغلبية، قبل أن يستكمل الموضوع بحثه ودراسته من جميع جوانبه، وقد يكون فيما سوف تطرحه الأقلية من آراء وأفكار إذا أتيحت لها الفرصة لمثل هذا البحث ومثل هذه الدراسة، ما قد يغير وجه الرأي لدى الأغلبية التي تستعجل نظر الموضوع وتستعجل التصويت عليه.والاعتراف بحقوق الأقلية هو جوهر النظام الديموقراطي وجوهر تداول السلطة فيه، بل هو اعتراف بمشروعية تعدد الآراء، وأن أحداً لا يملك الحقيقة كاملة، وأن أحداً لا يملك الزعم بانفراده بقول الصواب، كما لا يملك مصادرة حق الآخرين في إبداء الرأي الآخر.فاختلاف الآراء هو ثراء للفكر، وصراعها هو الذي يومض شعاع الحقيقة، والحوار واختلاف الآراء هما وسيلة المجتمع إلى بقائه وارتقائه، ويبدو ذلك أكثر وضوحاً عندما يتعلق الأمر بالتصويت على قانون من مجلس تشريعي، يمثل النائب فيه الأمة بأسرها، وإن كان لا يتغاضى عن مصلحة دائرته وأفراد جماعته، ولأن القانون ينظم العيش في الجماعة بإيجاد التوازن والتناسق بين المصالح التي تتعارض بقدر ما يتكون المجتمع من أفراد وجماعات لكل مجموعة مصالحها التي تكرس كل جهودها للوصول إليها، والتي قد تتعارض مع مصالح غيرها من المجموعات أو مع مصلحة عليا أولى بالاعتبار، فيأتي القانون ليعبر عن كل هذه المصالح ويقيم التوازن والتناغم بينها، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.وإذا كان طلب التأجيل كما هو حق للأعضاء، هو كذلك حق للحكومة، بل إن المشرع يعتبره من نقاط النظام التي يكون لها أولوية على الموضوع الأصلي فيما تنص عليه المادة 84 من اللائحة الداخلية من أنه يؤذن دائماً بالكلام في طلب التأجيل وتكون له أولوية على الموضوع الأصلي ويترتب عليه وقف المناقشة فيه حتى يصدر قرار المجلس في شأن طلب التأجيل.إلا أن المشرع أورد حكماً خاصاً بالموضوعات غير الواردة في جدول الأعمال، عندما يكون طلب التأجيل مقدماً من الوزير المختص، إذ ألزم المجلس بإجابته إلى طلبه دون مناقشة أو تصويت، حيث نصت المادة 76 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة المعدلة بالقانون رقم 8 لسنة 2007 على أنه «لا تجوز المناقشة في موضوع غير وارد في جدول الأعمال إلا للأمور المستعجلة وتحت بند ما يستجد من الأعمال، ويكون ذلك بناء على طلب الحكومة أو الرئيس أو طلب بكتاب مسبب مقدم من خمسة أعضاء على الأقل، ويشترط موافقة المجلس في جميع الأحوال، وللوزير المختص دائماً أن يطلب تأجيل النظر في الموضوع لمدة لا تجاوز أسبوعين ويجاب إلى طلبه».وكانت هذه المادة قبل تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة 2007، تقيد حق الوزير في طلب التأجيل الذي يجاب فيه إلى طلبه من دون حاجة إلى موافقة المجلس بقصره على الموضوعات التي تكون مثارة لأول مرة، الأمر الذي كان يثير خلافاً في تفسير متى يكون الموضوع مثاراً لأول مرة، وقد أدليت بدلوي في تفسير هذه العبارة في مقال نشر في صحيفة الأنباء في عددها الصادر في 3/11/2002.وقد حسم المشرع الخلاف سالف الذكر في تفسير هذه العبارة بحذفها عندما عدل الفقرة الأولى من هذه المادة بالقانون رقم 8 لسنة 2007، وقد علقت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون على هذا التعديل بقولها «حذفت عبارة «لأول مرة» الواردة في هذه الفقرة، وهذا يعني أن للوزير دائماً أن يطلب تأجيل النظر في أي موضوع غير وارد في جدول الأعمال لمدة لا تجاوز أسبوعين حتى لو لم يكن الموضوع مثاراً لأول مرة».ويضاف إلى ما قدمناه من أسباب ومبررات، تفسير انفراد طلب الوزير التأجيل بهذا الحكم الخاص، الذي يقضي بإجابته إليه من دون حاجة إلى موافقة المجلس، بخلاف طلبات التأجيل التي يقدمها أعضاء المجلس والتي تتطلب موافقة المجلس، أن الوزير هو عضو في الحكومة لا يستطيع أن ينفرد بالرأي أو القرار في بعض الموضوعات، التي قد يكون لها من التداعيات والتشعبات ما قد لا ينفرد الوزير بتقريره أو البت فيه، قبل العرض على مجلس الوزراء، والتداول في شأنه داخل هذا المجلس، والوصول بقرار في شأنه تكون الحكومة مسؤولة بالتضامن عنه أمام صاحب السمو الأمير، أو يتضامن فيه سائر الوزراء مع الوزير المختص عند التصويت على قرار المجلس في الموضوع المطروح.وهو ما يطرح سؤالاً مهماً هو: لماذا تتهم الحكومة دائماً بالتأزيم وعدم التعاون إذا استخدمت أبسط حقوقها الدستورية، ولا يتهم المجلس بذلك عندما يستخدم بعض الأعضاء أخطر حقوقهم وأدواتهم الدستورية ومهما غالوا أو أسرفوا في استخدامها؟ أو كما يقول الشاعر:أحلال للطير من كل حدبحرام على بلابله الدوح
مقالات
ما قل ودل: لماذا تُتّهم الحكومة دائماً بالتأزيم وعدم التعاون؟!
24-03-2008