هل بقي لحكومتنا شيء من مصداقية؟!
هناك عشرات الأمثلة التي نراها يومياً في صحفنا، تبرهن على الطريقة الحكومية المتخبّطة في التعامل مع القضايا الحساسة، ومنها قضية الزيادات المالية التي بلغت من الحساسية أن وصلت إلى الاعتصامات والإضرابات، كما تبرهن بصورة أكبر على أن حكومتنا لا تعير المسألة الإعلامية اهتماماً حقيقياً!
واضح جداً أن حكومتنا لاتزال غير مدركة لتأثير التصريح الإعلامي، ولا تستوعب كثيراً انعكاساته، ولا تفهم أن تصريحاً في غير محله قد يقلب الأشياء رأساً على عقب، لذلك نجد مثلاً أن مختلف أجهزتها الرسمية لا تعيّن متحدثاً رسمياً واحداً مخولاً بالتصريح، وتترك المسألة برمتها للاجتهادات والأهواء الفردية. وليس أكثر من التصريحات الحكومية المثيرة المنسوبة إلى مصادر مطلعة رفضت الكشف عن اسمها، وكأننا نتابع فيلماً عن الجاسوسية والمخابرات!في 25 نوفمبر، طالعتنا الزميلة «الراي» وعلى لسان من أسمته بالمصدر الوزاري الرفيع المستوى، من دون أن تذكر اسمه، بأن الزيادة القادمة على الرواتب ستتراوح ما بين العشرين والأربعين في المئة!ونحن نقول: ما دام الأمر كذلك يا سيادة المصدر الوزاري الرفيع المستوى؟ وما دامت المسألة معروفة مسبقاً لديكم، فما الداعي إلى استدعاء خبراء البنك الدولي؟ ولماذا الانتظار شهورا أخرى؟ وما رأيكم، طال عمركم ودام عزكم، أن «نخلّيها» بيننا وبينكم، وتكون الزيادة ثلاثين في المئة للجميع «ونطلع حبايب»!هذا التصريح هو مثال من عشرات الأمثلة التي نراها يومياً في صحفنا، استحضرته كدليل على الطريقة الحكومية المتخبطة في التعامل مع القضايا الحساسة، ومنها قضية الزيادات المالية التي بلغت من الحساسية أن وصلت إلى الاعتصامات والإضرابات، ودليل أكبر على أن حكومتنا لا تعير المسألة الإعلامية اهتماماً حقيقياً! لذا والحال هذه، فلا يحق اليوم للحكومة أن تستغرب من فقدان مواطنيها الثقة فيها، وعدم تصديقهم لتصريحاتها، فهي من سمحت لمجهوليها وتصريحاتهم، التي سرعان ما يثبت أن أغلبها كلام فارغ، أن تملأ الصحف، ويكفيها أن تستمع اليوم إلى ما يقوله الناس عن موضوع الزيادات مثلاً، وستكتشف مقدار استخفافهم وعدم تصديقهم للحكومة، وترديدهم بأن آخر صبرهم سيكون كالعادة فطراً على بصلة!آخر اللطمات الحكومية لمصداقيتها المتهالكة أصلاً هو ما أعلنته الزميلة «القبس» في 26 نوفمبر على لسان مصادر حكومية معنية، مجهولة الاسم أيضا، من أن «الوقت حتى نهاية فبراير لن يكون كافياً لإنجاز الدراسة المرتقبة بشأن زيادة الرواتب، وأن ملامحها لن تتبلور قبل مارس المقبل»، وبالطبع فلا يوجد ضمان لدى أحد بأن الحكومة لن تعلن لاحقاً بأنها ستتأخر إلى أبريل فمايو فيونيو... وهلمّ جرا!أشعر بالسخف وأنا أقول بأن من الواجب على الحكومة أن تعيّن شخصاً واحداً للتصريح في موضوع الزيادات، كوزير المالية مثلاً، فتقطع دابر الأمر ولا تترك الأمر للتصريحات الاعتباطية والأهواء والاجتهادات الصحفية، لأن هذا من الأبجديات، ولكنني سأقوله.في مقابل هذا التيه الحكومي الفاحش، يفاجئنا بعضهم بتوجيه اللوم في الاتجاه المعاكس، فالنائب مرزوق الغانم أطلق تصريحاً عجيباً على هامش المؤتمر السنوي لاتحاد طلبة الكويت في أميركا («الراي» - 26 نوفمبر) قال فيه: «كيف يساوون بين مَن تظاهر، وبين مَن احترم أمن بلده القومي ولم يتظاهر»! كلي رجاء أن يثبت عدم دقة نقل هذا التصريح وأن يبين النائب عدم صحته، فالزيادات المالية حقوق وظيفية ثابتة، وليست جوائز ومكافآت تمنح للمؤدبين ممن لا يتظاهرون وتمنع عن المشاغبين المتظاهرين!كلمة أخيرة، كوادر الأطباء والقطاع النفطي والخطوط الكويتية تم إقرارها وفقا لدراسات استغرقت زمناً طويلاً وأموالاً طائلة، وإن قبلنا بأن يتم تأخير صرفها إلى فبراير، فلن نقبل بحال أن يتم الانتقاص منها، لأن هذا سيثبت أن المسألة من أولها إلى آخرها عبث سياسي حكومي، لا يجب أن يمرّ من دون محاسبة!