كثر في الآونة الأخيرة الحديث حول أداء مجلس الأمة، بعضهم ينتقد هذا الأداء بحسن نية وبعضهم الآخر يهاجمه بسوء نية تصل به إلى حد اتهام المجلس بأنه السبب في تعطيل التنمية.
ومع أن تقييم أداء المجلس يعتبر أحد أساليب تطويره، فإننا يجب أن نأخذ في الاعتبار أثناء عملية التقييم الموضوعي أن مجالس الأمة منذ العام 1981 قد أتت كنتيجة للتقسيم الخمس والعشريني للدوائر الانتخابية الذي انفردت به الحكومة عام 1980 أثناء حل مجلس الأمة، وما أفرزه هذا النظام الانتخابي من ولاءات قبلية وطائفية وعائلية وانتشار للمال السياسي، ناهيك عن تدخلات حكومية مباشرة في العملية الانتخابية كان آخرها ما أثير أثناء الانتخابات الأخيرة، التي لا تزال تحقق فيها إحدى لجان المجلس.لكن الملفت للنظر، أن الهجوم شبه المنظم من قبل القوى المعادية للديموقراطية على المجلس تحت غطاء أدائه المتواضع، يتعدى في بعض الأحيان عملية التقييم الموضوعي لهذا الأداء والهادف الى الإصلاح، على أمل إقناع الناس بعدم الحاجة الى وجود مجلس الأمة كمؤسسة ديموقراطية دستورية، وصولاً الى الاقتناع بعدم الحاجة الى الدستور الذي يعتبر مجلس الأمة أحد أدواته! حيث إن القوى المناهضة للديموقراطية تعتبر أن الدستور غلطة تاريخية للمرحوم الشيخ عبدالله السالم يجب أن تصحح! وكانت هنالك منذ العام 1962 محاولات عدة لإيقاف العمل نهائياً بالدستور والتفرد بالسلطة، كالحل غير الدستوري الأول عام 1976، وتعطيل بعض مواد الدستور، ثم محاولة تنقيح الدستور عام 1981، والحل غير الدستوري الثاني عام 1986، وأيضا تعطيل بعض مواد الدستور، ثم المجلس الوطني غير الدستوري عام 1990. ولأن كل هذه المحاولات قد فشلت فشلاً شعبياً ذريعاً، حيث تمسك الشعب الكويتي بدستور 1962 كأساس للنظام الديموقراطي الذي ارتضاه، فقد قامت هذه القوى بمحاولات لإفراغ الدستور من محتواه بعدم تطبيقه وإيجاد قوانين متناقضة معه كقانون التجمعات العامة، وقانون الصحافة، وقوانين أخرى كثيرة لتقييد الحريات الشخصية، وبذلك اختزل النظام الديموقراطي لدينا بعملية التأشير على ورقة الانتخاب. ويبدو أن ذلك كله أيضا غير مقبول، لذلك فإنه يتم التركيز الآن على المبالغة في انتقاد أداء مجلس الأمة الذي أتى في ظل الظروف التي ذكرناها، أملا في الوصول الى إقناع الشعب الكويتي بفشل النظام الدستوري. وبأن الدستور، وليس فقط مجلس الأمة، غير ملائم لدولة الكويت، وهو سبب الأزمات التنموية التي يواجهها البلد!! ولإثبات تهافت هذا الرأي وعدم موضوعيته، فانه يمكننا القول وبكل ثقة إن تطور الكويت التنموي وامتلاكها ثرواتها النفطية وبنائها لمؤسساتها التنموية الناجحة، وانتشار ثقافة التنوير والتسامح والإبداع والفن والمسرح الراقي، وتوسيع الحريات الفكرية والشخصية، وتطور الخدمات العامة كالصحية والتعليمية والإسكانية، وتفوقنا في المجال الرياضي، كل ذلك تم أثناء فترة الالتزام بتطبيق الدستور، حيث كانت الكويت لؤلؤة الخليج، وعكسه تماماً كان الوضع بعد نجاح المحاولات المتكررة لتعطيل الدستور والانفراد بالسلطة، فأزمة المناخ، وسرقات المال العام، والرقابة على الصحف والدواوين، ومنع الاجتماعات العامة، وتقييد الحريات الشخصية وكارثة احتلال البلد ومحاولة إنهاء وجودنا وهويتنا ككويتيين، كل هذه الأمور حصلت أثناء فترات الانقلاب على الدستور والانفراد بالسلطة.أخيراً، دعونا نتصور، ماذا كان من الممكن أن يكون وضع دولة الكويت أثناء الاحتلال العراقي لو لم يكن لدينا دستور؟ حيث ان الدستور شكل في ذلك الوقت، كما هو دائماً، قاعدة صلبة لالتفاف الشعب الكويت بجميع فئاته وقواه السياسية حول الشرعية الدستورية الذي توج بعقد مؤتمر جدة لتعزيز التمسك بهذه الشرعية الدستورية، وكان ذلك أساساً لجميع القرارات الدولية الحاسمة ومرتكزا لتضامن شعوب العالم مع قضيتنا ودحضا لادعاءات نظام البعث العراقي. فيا ترى، ماذا كان من الممكن أن يكون وضعنا كشعب وكدولة في تلك الظروف العصيبة، لولا الدستور؟
مقالات
لولا الدستور
18-07-2007