خذ وخل: توثيق محنة الاحتلال 2-2

نشر في 02-03-2008
آخر تحديث 02-03-2008 | 00:00
 سليمان الفهد

ما ألاحظه على الجيل الجديد من الإعلاميين التلفزيونيين هو ميلهم إلى تقديم البرنامج بأدنى جهد، وأسرع وقت، وفي شكل فج ممجوج! وعلى الرغم من ركام الأغاني الوطنية التي بثها التلفزيون مراراً وتكراراً لم يفكر في إذاعة الأغاني الوطنية التي نزفها الشاعر المبدع «فايق عبدالجليل» وغيره من الشعراء الصامدين.

لم أستغرب مطلقاً حين لاحظت أن قنوات تلفزيون دولة الكويت كافة لم تبث برامج تلفزيونية تليق بمناسبة عيد التحرير، وكأنه فوجئ بإطلالة العيد على حين غرة! فقد اكتفى القوم ببث الأغاني الوطنية، والنقل المباشر لمظاهر الاحتفال الشعبي، وبمعيتها جعجعة سقيمة طافحة بالهذر الممجوج الذي يلوكه المذيعون كل سنة من دون كلل ولا ملل! أما المقابلات التي أجراها مع بعض الناشطين الصامدين، فكانت «مسلوقة» الإعداد وتفتقر إلى الإبداع والإتقان والإحاطة بشخصية الناشط، وبمحتوى موضوع المقابلة! وكيف لنا أن نتوقع مشاهدة برنامج تلفزي حواري ينشد الأنفع والأرفع، مادامت وزارة الإعلام أقصت البرامج الحوارية «6/6» للإعلامي الفذ يوسف عبدالحميد الجاسم و«الديوانية» للأستاذ الدكتور شفيق الغبرا و«مفترق طرق» لكافية رمضان، ودلالة هذه الفعلة السيئة بيّنة لا تحتاج إلى مزيد. حسبنا الإشارة إلى أنها تجسد استجابة فورية لوثيقة تنظيم البث الفضائي الإذاعي التلفزيوني إياها! ومصادرة البرنامجين تبدو أول غيث ديمة القمع المغيمة على فضاء الاتصال العربي! ومن هنا كان من البديهي أن يكون عيد التحرير التلفزيوني «ماصخاً» باهتاً متماهياً مع «رغاوي» الأطفال والفتيان التي يتبارون في رشها على الآخرين، وقد يبلع المرء الرغاوي من الأطفال لا من التلفزيون!

* ولا يظن ظان أن أرشيف التلفزيون يفتقر إلى المادة الوثائقية المكرسة لمحنة الاحتلال وملحمة التحرير، ولكن الذي ألاحظه على الجيل الجديد من الإعلاميين التلفزيونيين هو ميلهم إلى تقديم البرنامج بأدنى جهد، وأسرع وقت، وفي شكل فج ممجوج! وعلى الرغم من ركام الأغاني الوطنية التي بثها التلفزيون مراراً وتكراراً لم يفكر في إذاعة الأغاني الوطنية التي نزفها الشاعر المبدع «فايق عبدالجليل» وغيره من الشعراء الصامدين ولحنها الموسيقي «عبدالله الراشد» رحمهما الله.

وقد صار لي أكثر من خمس عشرة سنة وأنا أنادي بإذاعتها عبر الإذاعة وبثها بواسطة التلفزيون، ولكن القوم صم بكم، ويصح فيهم من قال: «لا حياة لمن تنادي!» وللأمانة حري بي التنويه بأن وزير الإعلام السابق الدكتور «أنس محمد الرشيد» أبدى اهتماماً بمعرفة فحوى هذه الأغنيات الوطنية، ومن ثم الاحتفاء بها إن كانت تستأهل ذلك، لكنه استقال فظلت الأغاني بمنأى عن شاشة تلفزيون الكويت. وكان الظن أن هذا الموقف مرده خشية القوم على حياة الأسرى الذين أبدعوا الأغنيات تأليفاً وتلحيناً وأداءً، لكن تقوض نظام صدام واستشهاد الأسرى أسقط حجة التلفزيون المتعللة بحماية هوية مبدعي الأعمال، والتكتم على أسمائهم! وكأن التعتيم ونفي هذه الأغاني معنيّ ومقصود، ربما لأنها تعري سوءة العديد من الأغاني «الوطنية» الفجّة التي تبث بالمناسبة، وتعبر إلى المشاهدين من باب «حشر مع الناس عيد»! ومادام الأمر كذلك، فإننا نعول في أن تولي الفضائيات الكويتية المستقلة اهتمامها بتلفزة الأغاني التي أداها كل من: الأخ «مرزوق سعيد» الرياضي المعروف والأستاذين «عادل ملك وعبدالله العمير» فضلاً عن الصبيّة الحرة الجريئة «مي صبيح العيدان» ذات الأداء المترع بالشجن والشموخ والصدق الطالع من «جوّه» القلب، لاسيما أن الأغاني الوطنية جاهزة للتلفزة كفيديو كليب، وغاية ما تحتاجه هو: مخرج واعد قادر على التقاط الدروس والقيم والمعاني والدلالات التي تنطوي عليها هذه الأعمال الغنائية الوطنية الموثقة للحياة اليومية للصامدين بتجلياتها كافة، وقد أحسن «فارس فايق عبدالجليل» صنعاً حين اختار أن يوثق محنة أسر أبيه واستشهاده إن شاء الله، بعيداً عن مجال التلفزيون لأنه سطرها في كتاب سينشر في أميركا، وبمنأى عن أصفاد وأغلال وثيقة تنظيم فضاء الاتصال العربي!

back to top