آخر وطن: التكنولوجـيا... تضر بصحة الحب!
التكنولوجيا (خصوصاً في مجال الاتصالات) قتلت دهشة العشق...
ضيّقت مساحة الاحتمالات... قلّصت أفق الخيال والتخيل... شوّهت الوجه الجميل للوهم... أوصدت باب لعبة الضوء والظل في وجه العاشق... البيجر... الجوال... الكاشف... كلها أدوات جزء من مؤامرة مرعبة لحصر الحب في زاوية 1+1=2!! مع ان 1+1 في الحب يساوي أي شيء ماعدا الرقم(2) الحب مزيج من الوهم والحقيقة، من الخيال والواقع... من الضوء والظل... من العقل والجنون... من عشب البحر والأثل...!! فيما مضى كان العاشق يتلذذ بالوهم ويجد به أحيانا عزاءً عظيماً، يتخاصم الحبيبان مثلاً، ويرن هاتف أحدهما، فتبدأ لعبة الاحتمالات: احتمال أن يكون هذا المتصل هو الحبيب، ومن المحتمل أن يكون شخصاً آخر! وإذا كان المتصل هو الحبيب، احتمال أن يتكلم واحتمال أن يغلق الخط دون أن يتحدث! وإذا تحدث احتمال أن يكون مهيأ للصلح، واحتمال أن لا يكون! ومن ثم تبدأ لعبة الأمل، أمل أن يكون المتصل هو الحبيب بغض النظر عن الاحتمالات. وفيما مضى كان الوهم يورق في بال العاشق ضوء، فعندما لايرد المتصل، يتوهم العاشق أن هذا المتصل الصامت لابد وأن يكون الحبيب، حتى وإن لم يكن كذلك!! فتبتل أطراف روحه بالندى وأحيانا بالنداء. الآن «الكاشف» اغتال كل ذلك، فبمجرد أن يرن الهاتف تستطيع أن تعرف مَن المتصل حتى قبل أن ترد، فليس هناك مجال للاحتمالات ولا الأمل الكاذب، ولا الوهم الجميل! فيما مضى يكاد العاشق لايبرح الهاتف مخافة أن يفوته اتصال حبيب أثناء ابتعاده عن الهاتف، الآن العشاق محاصرون بالجوالات والبياجر، ويستطيع العاشق أن يعثر على الطرف الآخر في أي مكان وأي زمان! وأصبح الحبيب «متوافراً» أكثر مما يجب، فلم تعد مساحة الشوق له قابلة للتمدد، وعمر الوله أصبح يُعدّ بالدقائق أو حتى بالثواني فقط! فيما مضى كان العاشق يقضي لحظات حرمانه شعراً ويستمتع بها فناً. العاشق الآن مسكين، عاجز عن ممارسة عشقه كما يجب، عاجز عن الوهم، عاجز عن التخيل، عاجز عن الحرمان! تكنولوجيا الاتصالات صادرت أحلامه وأوهامه ولحظات انتظاره وشوقه ومنحته جوالاً برقم مميز، إمعاناً في ذله! أيها العشاق: إن البيجر، الجوال، الكاشف خطر يهدد صحة أحاسيسكم، أنصحكم بالامتناع عنها.