Ad

لو ألقى الإيرانيون، بعد ثلاثين عاماً من انتصار الثورة الإسلامية، نظرة إلى الخلف فماذا سيجدون يا ترى؟! إنهم سيجدون باستثناء الذين يحضّرون أنفسهم لعودة «الإمام الغائب» أن أكبر خطأ ارتكب هو تسليم المعممين الدولة، وأن الخطأ الثاني هو عدم الاستماع لوجهات نظر الحكماء، أما الثالث فهو أنه لم تعط للدولة الجديدة الهوية الإسلامية الشاملة.

يوم انتصار الثورة الإسلامية كان يوماً تاريخيا فانتصارها لم يغير إيران فحسب، إنما غير أشياء كثيرة في هذه المنطقة، وجعل دولا كثيرة في العالم كله تجري تعديلات أساسية على استراتيجياتها، ومن بينها الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، فهذه الثورة لم تكن انقلاباً عسكرياً عابراً لم يؤثر إلا في قشرة النظام الشاهنشاهي، بل كانت ثورة حقيقية قلبت المجتمع الإيراني رأساً على عقب، ولذلك وإذا كانت ثورة أكتوبر الروسية قد وصفت بأنها عشرة أيام هزت العالم فإن أقل ما يمكن أن يقال في الثورة الخمينية هو أنها إحدى محطات القرن العشرين بكل جدارة.

إن أول تحول سببته هذه الثورة لابد من التوقف عنده هو نهوض الطائفة الشيعية الجعفرية الاثني عشرية، فقبل ذلك كانت هذه الطائفة تشعر بحرمان وغبن تاريخيين، وكانت تداوي مرارتها وحزنها بالمزيد من انتظار عودة «المهدي»، قدّس الله سره، ليملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت جوراً ولينصف المحرومين ويعيد الحق إلى صاحب الحق!!

ولأنني في ذلك اليوم كنت في طهران وترددت على «قُم» المقدسة التي تحتضن مرقد معصومة أخت الإمام الرضا والتقيت عدداً كبيراً من رموز هذه الثورة وقادتها ومن بينهم آية الله حسين منتظري وآية الطالقاني رحمه الله فقد عشت وشاركت في ذلك الجدل الذي احتدم ولم يحسم إلا بتبني الإمام الخميني ولاية الفقيه مجدداً، وكان قد تبنى هذه الفتوى التاريخية عندما كان «لاجئاً» في النجف الأشرف في العراق.

قضيتان احتدم جدل جادي، اتخذ طابع الحدية في بعض الأحيان هما:

الأولى، مسألة تحديد دين الدولة في الدستور الجديد الذي بدأ بوضعه العلماء والفقهاء وآيات الله ورجال القانون بمجرد هروب الشاه محمد رضا بهلوي الى الخارج وانتصار الثورة الإسلامية، فبعضهم أراد أن ينص هذا الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام من دون الإشارة إلى المذهب وبعضهم أصر، وقد انتصر رأي هؤلاء، على أن دين هذه الدولة هو الإسلام على المذهب الجعفري الاثني عشري، وهذا في الحقيقة كان خطأ فادحاً، حيث جعل المذاهب الإسلامية الأخرى التي اعتبرت أن هذه الثورة ثورتها تتخذ موقعاً دفاعياً وجعلها تنظر إلى ما جرى في إيران بعين الشك والريبة.

الثانية، هي أن بعض كبار المسؤولين وآيات الله وبعض رجال السياسة من غير الوسط الديني المتمذهب رفضوا مبدأ تصدير الثورة، وقالوا: إنه أولاً لابد من إقامة الدولة النموذج التي ستستقطب المسلمين في كل مكان، والتي ستكون حافزاً لهم للقيام بثورات بتأثير الثورة الإيرانية وليسقطوا الأنظمة الطاغية والطاغوتية كما أسقط الإيرانيون نظام شاه إيران... وقال هؤلاء إن على إيران الثورة ألا تخيف الآخرين وألا تدفعهم إلى طلب الحماية من الولايات المتحدة والاستكبار العالمي.

لكن بالمقابل فإن هناك من أصر على «الثورة الدائمة» على طريقة «تروتسكي» المعروفة وأصر على نقل الثورة الإسلامية أولاً إلى الدول المجاورة ثم إلى العالم الإسلامي كله، وهؤلاء هم الذين شكلوا «حراس الثورة» و«فيلق القدس» وأنشؤوا «حزب الله» الذي باشر على الفور إنشاء فروع له في لبنان، وفي دول عربية أخرى، وإن بمسميات غير هذا المسمى كحركة الحوثي في اليمن و«حماس» في فلسطين و«جيش المهدي» في العراق و«جمعية الرضا» في سورية.

والآن لو ألقى الإيرانيون، بعد ثلاثين عاماً من انتصار الثورة الإسلامية، نظرة إلى الخلف فماذا سيجدون يا ترى؟!

إنهم سيجدون باستثناء أولئك الذين يحضّرون أنفسهم لعودة «الإمام الغائب» في أي لحظة أن أكبر خطأ ارتكب هو تسليم المعممين الدولة بدل أن يبقوا رقباء عليها كمعارضة إيجابية، وأن الخطأ الثاني هو عدم الاستماع لوجهات نظر الحكماء الذين كانوا يصيّرون إقامة الدولة التي يجب أن تكون المثل الذي سيحتذى من قبل المسلمين كلهم بدل نزق تصدير الثورة الذي كان مبرراً لحرب الأعوام الثمانية ولغيرها، أما الخطأ الثالث فهو أنه لم تعط للدولة الجديدة الهوية الإسلامية الشاملة وهو أنها حُصرت بالمذهب الجعفري الاثني عشري ولولاية الفقيه، وكانت النتيجة كل هذا الذي حصل خلال الثماني والعشرين سنة الماضية.

* كاتب وسياسي أردني