بعد فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح عام 1453م واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية اصبح هذا الفتح نقطة تحول في سياسة الدولة تجاه الفتوحات، وشاءت الأقدار أن تشهد فترة ولاية سليم الأول هذا التحول، الذي كان من أثره أن امتدت رقعة الدولة العثمانية، وأصبحت دولة آسيوية-أوروبية-أفريقية.

Ad

تولى سليم الأول عرش الدولة العثمانية في 25 من إبريل 1512م خلفا لأبيه بايزيد الثاني الذي تنازل له عن السلطة، وكان أول عمل قام به السلطان الجديد قيامه بالقضاء على الفتن الداخلية التي أثارها إخوته ضده تطلعا الى الحكم، وبعد ذلك كان في انتظاره أمران، كان لهما الأثر البالغ في توجيه السياسة العثمانية.

أما الأمر الأول فهو ازدياد النمو الشيعي في إيران والعراق، وتهديد الدولة الصفوية الشيعية للدولة العثمانية.

وأما الأمر الآخر فهو تصاعد الخطر البرتغالي في الخليج العربي، وتهديدهم للأراضي المقدسة

أعلن سليم الأول الحرب على الصفويين، وسار بجيوشه من أدرنة متجها إلى تبريز فتقهقرت الجيوش الفارسية أمامه بقصد إنهاك قواه حتى تسنح الفرصة للانقضاض عليه، والتقى الجيشان في وادي جالديران وكانت معركة هائلة حسمت فيها المدفعية العثمانية النصر للسلطان سليم الأول، وفر الشاه إسماعيل الصفوي، وتمزق جيشه، ودخل السلطان سليم تبريز حاضرة الصفويين، يحمل على رأسه أكاليل النصر وأثمر هذا النصر ضم السلطان سليم كثيرا من بلاد أرمينية الغربية، وما بين النهرين، وتبليس، وديار بكر، والرقة والموصل، ثم عاد إلى بلاده ليعد العدة لصراع جديد ضد أقاليم الشرق العربي.

اجتاز السلطان سليم الأول عقبة الدولة الصفوية التي كانت تعوق حركة دولته وتهددها، وبدأ في الاستعداد للخطوة الأخرى، وكانت ذات أهمية خاصة، ونجاحها يجلب له نصرا خالدا، واتساعا في رقعة دولته، وازديادا في هيبة الدولة وقوتها، فالدولة المملوكية التي تحكم مصر والشام أصابها الوهن، ودب في أوصالها الضعف والانحلال، وأصبحت غير قادرة تماما على مواجهة الخطر البرتغالي المتنامي في الخليج العربي، حتى بلغ من اغترارهم بقوتهم أنهم أعلنوا عزمهم على قصف مكة والمدينة.

ولم يغب عن ذهن السلطان أن انتقال الخلافة العباسية من القاهرة إلى آل عثمان تجعل منهم قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، وتضفي عليهم هيبة وجلالا في صراعهم مع أوروبا المسيحية.

ولتحقيق هذين الحلمين الكبيرين كان لا بد من الصدام مع المماليك، وهذا ما حدث بالفعل، وما كاد السلطان سليم الأول، يستريح قليلا من عناء العقبة الأولى حتى خرج من عاصمته، يقود جيوشه الجرارة ناحية الشام، والتقى بالمماليك عند مرج دابق بالقرب من حلب، وكان السلطان الغوري قد علم بأنباء تحركات العثمانيين، فخرج من مصر لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يهدد دولته، واشتعلت المعركة في 24 أغسطس 1516م وكان النصر حليف العثمانيين، في الوقت الذي قتل فيه السلطان الغوري، وتفرق جيشه ورحل من بقي منه إلى مصر.

وأثمر هذا النصر تساقط المدن الرئيسية في أيدي العثمانيين تباعا، مثل: حلب، وحماه، وحمص، ودمشق، وفلسطين، وغزة، ثم دخل السلطان سليم الأول مصر، حيث انتصر على السلطان «طومان باي» آخر سلاطين دولة المماليك الشراكسة في معركة الريدانية ودخل العثمانيون القاهرة، وقضوا على كل محاولة للمقاومة التي انتهت بالقبض على «طومان باي» وإعدامه، لتطوى بذلك صفحة دولة المماليك.

ترتب على فتوحات سليم الأول أن أصبحت الدولة العثمانية تضم الأماكن المقدسة، في الحجاز، متمثلة في المسجد الحرام، حيث الكعبة المشرفة، والمسجد النبوي الشريف مثوى النبي (صلى الله عليه وسلم)، بالإضافة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقد أضفى كل هذا على الدولة العثمانية زعامة دينية، وأضيف إلى ألقاب السلطان العثماني سليم الأول لقب «حامي الحرمين الشريفين أو خادم الحرمين الشريفين»، وصار لقبا لكل من جاء بعده من الخلفاء.

بعد انتصار السلطان سليم الأول في معركة مرج دابق خطب له في أول صلاة جمعة صلاها في حلب باعتباره خليفة للمسلمين وسكت العملة باسمه، وتذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن الخليفة العباسي المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين في مصر تنازل عن الخلافة لبني عثمان في مراسم جرت في أياصوفيا بعد عودته مع السلطان سليم الأول إلى إسطنبول.

عاد السلطان سليم الأول إلى العاصمة إسطنبول بعد أن حقق مجدا للدولة العثمانية واتساعا في رقعتها ومساحتها، وحاملا لقب الخلافة المجيد، وفي أثناء إقامته هبت فتنة شيعية في منطقة طوقاد الأناضولية سنة 625هـ = 1519م، فأرسل إليها أحد قواده، فنجح في إخمادها والقضاء عليها، وأعاد السكون إليها. وفي سنة 926هـ = 1520م توفي سليم الأول بعد أن قضى في الحكم تسع سنوات.