Ad

هل يعقل أن يصدر عن مرشح بسيط التعليم والثقافة وتعرف الناس أنه «على باب الله من هالناحية» بل سبق له أن كان نائبا واكتشف الناس كيف أنه لا يستطيع أن يصفّ كلمتين في جملة واضحة، أقول هل يعقل أن يصدر عنه تصريح يتناول السياسة التعليمية للبلاد والاستراتيجيات المرصودة في هذا الصدد؟ «قوية جدا يا شيخ»!

أظن أن أغلب الناس اليوم صارت تعلم أن معظم التصريحات التي تنشرها الجرائد على لسان المرشحين هي تصريحات مفبركة، وأنه يتم تصنيعها في الحقيقة بواسطة أطقم صحافية تنشط خلال هذه الفترة «لتترزق الله» من تصنيع ونشر تصريحات المرشحين. كل ما على المرشح الجديد هو أن يوقع عقدا مع واحدة من هذه الأطقم، وأن يدفع لهم «المقسوم»، ليجد تصريحاته تنهال على الصحف من الغد في شتى المجالات والقضايا.

لطبيعة الحال، لا تخلو المسألة من مفارقات وطرائف، والمتتبع الذكي، بل حتى الأقل ذكاء، يستطيع أن يصطاد وربما بشكل يومي تصريحات مكشوفة جدا من خارج نطاق تغطية المرشحين، ولا يمكن أن تصدر عن بعضهم.

مثلا بالله عليكم هل يعقل أن يصدر عن مرشح بسيط التعليم والثقافة وتعرف الناس أنه «على باب الله من هالناحية» بل سبق له أن كان نائبا واكتشف الناس كيف أنه لا يستطيع أن يصفّ كلمتين في جملة واضحة، أقول هل يعقل أن يصدر عنه تصريح يتناول السياسة التعليمية للبلاد والاستراتيجيات المرصودة في هذا الصدد؟ «قوية جدا يا شيخ»!

تكاثرت المجموعات الصحفية التي امتهنت المسألة، ولأن كثيرا من المرشحين إن لم يكن أغلبهم، لا يدركون تفاصيل وأبعاد الموضوع وخطورته، فهم يلجؤون إلى «الأرخص» سعرا، وتلقائيا فإن الأرخص سعرا، غالبا ما يكون كذلك هو الأرخص جودة، لتأتي التصريحات سمك لبن تمر هندي!

ما يهون المسألة عند بعض المرشحين أن أغلب الناس لا تقرأ التفاصيل، إنما تنظر بلمحة سريعة إلى المانشيتات والصور، وهذا يكفيه من باب أنها وسيلة تسويقية أخرى لا أكثر ولا أقل، وطالما أن اسمه وصورته تظهر في الصحيفة كل يوم فهذا يكفيه، حتى لو كان التصريح يتناول تأثير الاحتباس الحراري على الأشجار المعمرة في الباراغواي!

أغلب مرشحينا يؤمنون بنسخة معدلة من القاعدة الفلسفية الشهيرة التي تقول «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، جماعتنا يؤمنون بقاعدة «أنا أصرح، إذن أنا موجود»!

هذه «الخبيصة» التصريحاتية، وعدم الاكتراث من قبل المشرحين بجودة ما يكتب على لسانهم ومحتواه، نابع في تصوري من أن أغلب الناخبين عندنا أصلا لا يلتفتون كثيرا إلى هذه الأشياء، وأن الجانب الفكري ليس في أعلى سلم أولوياتهم عند تقييم مرشحيهم. معايير التقييم عندنا لاتزال بعيدة عن هذا، وتعتمد في الأغلب على العلاقات الشخصية وعلى الارتباط الاجتماعي وعلى ما يقدمه المرشح من الخدمات المباشرة، أما الفكر والرؤية والخطة والبرنامج الانتخابي فكلها مجرد شكليات لا أكثر في واقعنا الانتخابي!

يخبرني أحدهم أن مرشحا زارهم في ديوانهم، فسألوه عن برنامجه الانتخابي، فرجاهم أن يبينوا له معنى كلمة برنامج، لأن الكل يسأله عنه وهو لا يعرفه، بل قال لهم لعله يكون موجودا عنده وهو لا يدري!

من زاوية أخرى، فعندي شعور بأن الانتخابات القادمة ستحمل مفاجآت في بعض الدوائر، خصوصا تلك غير المقفلة قبليا، وذلك لأن الناخب الكويتي غير قادر إطلاقا، لا فكريا ولا ثقافيا ولا حتى مزاجيا، على أن يحدد أربعة مرشحين ليختارهم في يوم الاقتراع. في الانتخابات الماضية كان الناخب يعرف غالبا مرشحه الأول، لكنه إلى يوم الاقتراع يبقى لا يعرف لمن سيعطي الصوت الثاني، فما بالكم واليوم قد صارت المسؤولية مضاعفة؟ أربعة اختيارات؟ يا دين محمد، ألا تخافون الله في الناخب الكويتي؟!