Ad

إن إيران تشدّدت بعض الشيء هذه المرة لتقول للأميركيين إن «نظام الهدهد» الذي اخترعته حديثاً لرصد حركة السفن في المنطقة يعمل جيداً ويقدر على عد أنفاسهم! فكانت الضجّة، وكان الإنذار والتهديد والوعيد و«ماكينة» الحرب النفسية المطلوبة لتأمين الشق الخاص بالإيحاء بأن بوش قادر على احتواء إيران!

ليس المهم التوقف كثيراً عند نقطة «مَنْ استفزّ مَنْ؟» برأيي، ونحن نقرأ حادثة تصعيد الموقف بين واشنطن وطهران في مضيق هرمز بقدر ما هو مهم أن نقرأ صحيحاً وبدقة الأجواء التي جعلت هذا الاستفزاز يأخذ المعاني التي أخذها خلال اليومين الماضيين!

وإليكم الصورة التي نتصورها نحن أصحاب الإقليم وأهل المنطقة التي نعتقد أنها أقرب إلى ملامسة الواقع من تلك التي حاولت أميركا أن ترسمها في وسائل الإعلام الغربي المضللة:

إن بوش الذي يزور المنطقة منكسراً في كل الملفات من العراق إلى لبنان إلى أفغانستان إلى باكستان إلى فلسطين التي لم تستطع كونداليسا رايس أن تحفظ له بعض ماء وجهه في أنابوليس بسبب تعنّت إسرائيل ودعم ديك تشيني الذي يشعر بأنه خسر كل الرهانات حتى الداخلية، كان بحاجة إلى أن يظهر بقفّاز حديدي غير القفّاز الحريري الذي تحاول رايس أن تظهره به من أجل تحشيد من تسميهم بمعسكر الاعتدال العربي. ولمّا كان من جملة أهداف زيارته إرسال إشارة حازمة إلى طهران بأن جولته تحمل أهداف احتواء ما سماه بالنفوذ الإيراني، فقد كان يتوجب على آلته الدعائية أن تفتعل ضجّة إعلامية ما، وهل غير مضيق هرمز يصلح لكل ما سبق من أهداف لترميم الصورة العامة؟!

فمن جهة طهران لم يكن هناك أي جديد على الإطلاق، فهي كانت وستظلّ تقوم بمهمة مراقبة حركة السفن الحربية الأميركية الداخلة إلى حوض الخليج بصورة غير مشروعة حسب قوانين البحار الدولية، كل ما هنالك أنها قد تكون تشدّدت بعض الشيء هذه المرة لتقول للأميركيين إن «نظام الهدهد» الذي اخترعته حديثاً لرصد حركة السفن في المنطقة يعمل جيداً ويقدر على عد أنفاسهم!

فكانت الضجة، وكان الإنذار وكان التهديد والوعيد وكانت حركة الدعاية و«ماكينة» الحرب النفسية المطلوبة لتأمين الشق الخاص بالإيحاء بأن الرئيس المنهك القوى في أكثر من ساحة إقليمية قادر على احتواء إيران! وكل ذلك من أجل رد الاعتبار لديك تشيني الذي هزمته السيدة ذات القفازات «الحريرية»!

والضجة والتهديد والوعيد... مطلوبة أيضاً كما هو معلوم للاستمرار في محاولة الضغط على الأصدقاء والحلفاء من أجل الاستمرار في جهود التحشيد السلبي ضد «الشر» المستطير الكامن في طهران رغم تقرير المخابرات الأميركية الأخير! «فمن يوقف مساعي التسلح النووي في العام 2003، يمكن له أن يعاود مساعيه مجدداً إذا توقفت الضغوط!» كما ردد بوش بالتنسيق مع «ماكينة» الدعاية الصهيونية التي ترافق جولته الحالية بالتركيز على الشقّ الإيراني منها حتى تتمكن من تخفيف الضغوط الدولية عليها بخصوص تملّصها حتى من توصيات أنابوليس التي هي لاشيء يذكر بالنسبة للعرب فضلاً عن الفلسطينيين!

لكن بوش المكابر والمتحايل على توصيات لجنة بيكر–هاميلتون والعارف أكثر من غيره بأنه أعجز من أي وقت مضى عن ممارسة الضغط على طهران، ناهيك عن اللجوء إلى الخيار العسكري ضدها، يأمل في الواقع من وراء كل ذلك أن يخرج من جولته الحالية التي قد تكون الأخيرة له قبل دخوله في الكوما الانتخابية... ببعض الصور التذكارية التي تذكره بعضلاته التي كانت تخيف فعلاً وترهب حقاً بعض المذعورين وبقايا عهد الاستبداد في المنطقة أيام كان العالم يريد تغطية حملة التخلص من نظام صدام حسين.

غير أن هذه الصورة قد تفيد هنا السيدة رايس أيضاً التي تحاول أن تظلل محادثات بغداد الأميركية-الإيرانية بضجة بوارج مضيق هرمز، بعد أن أبدت طهران برودة متناهية في تلبية الدعوة إلى الجولة الرابعة، وأرسلت أكثر من إشارة إلى واشنطن بأنها «عايزة ومستغناية» كما يقول المثل، وأنها «هي أي طهران من يضع الشروط لمثل هذه المحادثات وليس واشنطن إذا كان لابد من شروط» كما قال السيد متكي أخيراً رداً على تصريحات رايس التي قالت فيها إنها «مستعدة لزيارة طهران وإنه لاعداوات دائمة بين الدول شرط أن توقف طهران التخصيب»!

إذن ليس هناك ثمة جديد في عالم عرض العضلات الأميركي المتواصل بقدر ما هو دق لبعض المسامير الحديدية على كعبي «خفي حنين» التي سيعود بهما بوش من جولته الراهنة تماماً، كما كانت الحال مع مظاهرة أنابوليس الفاشلة، وذلك إرضاء لكبريائه ومكابرته! عدا إضافة جديدة أهداها الله لأحمدي نجاد دعماً لنظرية «النصر الإلهي» وذلك بتصادف تحطم طائرتي إف 18 فوق مياه الخليج في هذا التوقيت بالتحديد!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني