الأخطاء القاتلة للوزراء قد ترتكب قبل الاستجوابات أو في أثنائها أو بعد تطورها إلى طرح الثقة من أجل ضمان المنصب، خصوصاً في ظل محاولة جمع المتناقضات وحشد أكبر كتلة نيابية للإرضاء الجماعي المتنوع والمتناقض، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً ويزرع بذور الفرقة والاختلاف.عندما نؤكد أن النظام السياسي الكويتي في إطاريه الدستوري والعملي فريد من نوعه على مستوى ديموقراطيات العالم على مدى التاريخ حتى يومنا الحاضر، فإن هذا التشخيص لا ينبع من فراغ أو أنه مجرد رأي أو تعبير عن موقف سياسي.
ففي الكويت فقط يتم تعيين رئيس مجلس الوزراء والوزراء بمرسوم ويؤدون اليمين الدستورية أمام سمو الأمير قبل دخولهم قاعة البرلمان، بينما في النظم البرلمانية جميعها يجب أن يحصل الوزير على ثقة المجلس قبل تعيينه في المنصب. وفي حالة الأنظمة الرئاسية، فإن الوزراء لا يشاركون أصلاً بنشاط البرلمان بل ليس لهم مقاعد فيه.
وعلى الرغم من صحة الجانب الدستوري، فإن هذا الوضع لم يعد يتحمل الكلفة السياسية في ظل المعطيات الراهنة على الساحة العامة، فرغم نجاح الحكومات تاريخياً في تحقيق أغلبية برلمانية من خلال إرضاء مجموعة من النواب عبر بوابة الخدمات وضمان مشاريعهم التجارية ودعمهم انتخابياً بالمال السياسي وغيره في مقابل تحمل شوكة المعارضة باعتبارها خطاً ثابتاً لتسجيل الموقف السياسي لا أكثر، فإن هذا النهج لم يعد بتلك البساطة والسذاجة التقليدية.
ففي ظل التوسع والتنوع السياسيين والتبدل الدائم للمواقف والرصد الشعبي الضاغط باتجاهات مختلفة، لم تعد ترضيات الحكومة مغرية أو حتى مرضية، والنائب الواحد لم يعد يقتنع بوظيفة قيادية واحدة في ظل تجفيف منابع الخدمات بسبب قوانين وقرارات التوظيف والرعاية السكنية والعلاج بالخارج، بل الأكثر من ذلك فإن المصالح الفئوية باتت تتقاطع وتقطع معها الكتل النيابة نفسها.
وحالة التصويت على طرح الثقة عن وزيرة التربية تعكس مثل هذه المعادلة الصعبة والحسابات المتناقضة وحيرة الحكومة في شراء الترضيات المتناقضة لضمان الرقم المطلوب لإنقاذ وزيرتها، بل إن الوزيرة نفسها وتحت هاجس الاحتفاظ بكرسي الوزارة لا يمكن أن تسدد فواتير متباينة أو أن تجمع بين المتناقضات لإرضاء توجهات عامة مثل تطبيق منع الاختلاط أو من خلال بعض التعيينات القيادية المفروزة سياسياً على حساب أجندة تكتل نيابي شكل لها خط الدفاع الأول.
فالأخطاء القاتلة للوزراء قد ترتكب قبل الاستجوابات أو في أثنائها أو بعد تطورها إلى طرح الثقة من أجل ضمان المنصب، خصوصاً في ظل محاولة جمع المتناقضات وحشد أكبر كتلة نيابية للإرضاء الجماعي المتنوع والمتناقض، وهذا ما يزيد الأمور تعقيداً ويزرع بذور الفرقة والاختلاف، بل يطلق العنان للفساد الإداري القائم ويعززه بصور جديدة له من أجل العبور من عنق زجاجة المحاسبة السياسية على حساب تركة ثقيلة في المستقبل.
لذلك... فإن رهان الحكومة على تحقيق الأغلبية البرلمانية المسبقة، رغم تنوع الآراء فيها، قد يكون أقل كلفة وتوازناً سياسياً وضماناً لاستمرارها في العمر الافتراضي، لاسيما في ظل تطبيق التدقيق الداخلي والرقابة الذاتية المتبادلة Check and Balance بين وزرائها، بل إن مثل هذا النهج الجديد من شأنه أن ينقلنا إلى مرحلة سياسية أكثر نضجاً بدلاً من الاستمرار في نهج السداد السياسي بالأقساط لكل حادث وموقف الذي يكون غالباً على حساب الأداء العام والأغلبية الصامتة العاملة بهدوء!