Ad

عجيب ومؤلم معاً، كيف أحجمت الكثير من الأقلام والأصوات، التي أحسبها على الموضوعية والعقل والحكمة، عن الكتابة والحديث عن الموضوع تماماً، خصوصا في أيامه الأولى. بعض هؤلاء قال لي حين سألته عن غيابه الملحوظ بأنها فتنة آثر ألا يدخل فيها وأن يبقى على الحياد حتى ينجلي الغبار وتهدأ النفوس.

الحمد لله... يمكن للمتابع أن يلحظ الآن أن بعض الأقلام العاقلة والكتابات الموضوعية أخذت تظهر من جديد للكتابة بإنصاف حول قصة تأبين النائبين عبد الصمد ولاري لعماد مغنية، وإن كان بعضها يصر على تقديم سطور إثبات الولاء والوطنية للكويت، وكأن الجميع صاروا محل شك واتهام. هذه العودة الخجلى تدل على أن مرحلة «الإرعاب» التي مورست بشكل مبرمج من قبل بعض الصحف والقنوات لتخويف كل من تسول له نفسه حتى بمجرد التفكير المحايد بالموضوع، بأن يصبح في موقع الاتهام باللاوطنية أو الخيانة وربما العمالة، قد قل تأثيرها وبدأ تضعف شيئاً فشيئاً.

دوافع تلك الحملة التأجيجية الصاخبة بدأت تتكشف اليوم للجميع، بعدما عميت عنها أغلب العيون في الغبار والصخب الذين شاركت أطراف مختلفة في تثويرهما وإثارتهما.

أول هذه الأطراف جماعة لها خصومتها السياسية المعروفة مع السيد عدنان عبد الصمد ومع التكتل الشعبي، وهي جماعة لم تتورع كعادتها عن استخدام أقذر الوسائل ولا عن الانحدار إلى أسفل مستنقعات السباب والشتائم ولاتزال، وثاني الأطراف جماعة نكرة من ماسحي الجوخ سارت في ركب الجماعة الأولى تقرباً لهم لدوافع ومصالح ذاتية أبعد ما تكون عن الوطنية التي زعموها، وثالث الأطراف جماعة انطلقت من منطلقات طائفية صرفة وخصومة مطلقة مع الشيعة، وجدت في الموضوع فرصة خيالية جاءتها على طبق من ذهب فباشرت قصفها في كل اتجاه شيعي، ورابع الأطراف جماعة ساذجة تم التغرير بها عبر استثارة حميتها الوطنية فصاحت بالصيحة نفسها من دون تمحيص ولا تفكير، وخامس الأطراف جماعة أرادت الحق فأخطأت الطريق في ظل الجو الذي أشعلته الأطراف السابقة، وهي من آسى عليها حقاً.

عجيب ومؤلم معا، كيف أحجمت في الوقت نفسه الكثير من الأقلام والأصوات التي أحسبها على الموضوعية والعقل والحكمة عن الكتابة والحديث عن الموضوع تماماً، خصوصا في أيامه الأولى. بعض هؤلاء قال لي حين سألته عن غيابه الملحوظ بأنها فتنة آثر ألا يدخل فيها وأن يبقى على الحياد حتى ينجلي الغبار وتهدأ النفوس. في اعتقادي أن هذه نظرة خاطئة وقرار كسير لأنه إن ترك العقلاء والحكماء الساحة ليختطفها الغوغاء وشذاذ الآفاق والمندسون الزائفون عند كل أزمة أو عاصفة يمر بها البلد أو المجتمع، فما فائدتهم ونفعهم، وما فائدة العقل والموضوعية التي يتصفون بها؟!

بعض آخر ممن سألت، أجابني بأنه أراد أن ينأى بنفسه عن الوقوع تحت قصف السباب والشتائم والغمز واللمز، لأنه لن يكون قادراً على تحمل ذلك ولا على الرد عليه. أتفق مع هؤلاء في حقيقة أن هذا الأسلوب قد شاع اليوم في صحافتنا بشكل لا يكاد يصدق، بل وما عاد قاصراً على المشتهرين به ممن امتزجت دماؤهم وأنفاسهم وحبر أقلامهم به، بل صار يشترك معهم فيه حتى بعض ممَن يحسبون أنفسهم على الخط الإسلامي. صار مألوفاً أن تجد كاتباً يزعم أنه إسلامي تعج مقالاته باللمز والغمز، بل وبالألفاظ السوقية المنحدرة التي يعف عن استخدامها مَن في وجهه ذرة واحدة من مروءة أو حياء.

لكنني وإن قلت ذلك فإنني أؤمن أن بعض الأمور أكبر من اهتمام الفرد بمصلحته المباشرة، وأكبر من أن يخشى الإنسان على نفسه من الوقوع عرضة لبذاءات هؤلاء، وأظن أن الأزمة التي عصفت بالبلاد تأتي على رأس هذه الأمور، ولا خير فينا ولا في أقلامنا إن لم نكن مع الحق حيث يدور.