يـَحْدُثُ داخل الإخوان!!
من الطبيعي أن تحدث كل هذه التململات داخل صفوف الإخوان المسلمين سواء في مصر أو في الأردن أو في أي مكان آخر، فهذا الحزب تشكّل في مرحلة غدت بعيدة جداً، وهي تختلف اختلافاً جذرياً عن هذه المرحلة، وهو ورغم كل التقلبات التي ضربت الكون كله، فإنه بقي يجترّ شعاراته الفضفاضة العامة، ولم يستطع تطوير نفسه، ولم يتخلَّ عن «جهاد» الشعارات ويتحول إلى جهاد البرامج.
جديد «الإخوان المسلمين» في الأردن وجديد حزبهم حزب «جبهة العمل الإسلامي» هو فصل خمسة من الذين ترشحوا لخوض معركة الانتخابات التشريعية الأردنية المقبلة خارج القائمة «الرسمية». أي قائمة «الإخوان» التي هي قائمة «حزب الجبهة»، وجديد حركة حماس، التي هي الوجه الآخر لـ«الإخوان المسلمين» في فلسطين، أنها جمدت أو «فصلت»، لم يتضح بعد، اثنين من المسؤولين فيها بتهمة الاعتدال والخروج على «الثوابت» وفتح قنوات اتصال خلفية مع السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة ومع إسرائيل أو حاخامات يهود من جهة أخرى. فعلى ماذا يدل هذا؟! إنه يدل على أن هذا الحــزب، حزب الإخوان المسلمين، الذي يُطلق عليه خطأً اسم «الحركة الإسلامية»، بات يعيش مأزقاً تنظيمياً وسياسياً في ضوء تطورات ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وما بعد انتهاء صراع المعسكرات، وهذا نفسه الذي حصل مع كل الأحزاب القومية واليسارية التي كانت ذات يوم جزءاً من هذا الصراع ومادةً من مواد وقود هذه الحرب. كما حصل مع أسامة بن لادن، الذي قاتل في أفغانستان تحت راية المخابرات الأميركية الـ(سي.آي .إيه) بحجة «الجهاد» ضد الإلحاد السوفييتي والشيوعية العالمية، ثم بعد أن انتهت الحفلة وانثقب الدفُّ، ولأنه لم يأخذ نصيبه من الغنائم أدار فوهة بندقيته نحو أميركا، وقام بما قام ويقوم به، وفي مقدمة ذلك جريمة الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي مــن أجل ذرِّ الرماد في العيون والضحك على ذقون بسطاء المسلمين، أطلق عليها اسم «غزوة واشنطن ونيويورك»!! فإن هذا حصل مع «الإخوان المسلمين»... وليس مع الحركة الإسلامية التي هي غير الإخوان المسلمين. وقف «الإخوان المسلمون» في الأردن وفي غير الأردن ضد المد القومي واليساري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهم تحالفوا مع أميركا، وهذا معلن ومثبت وهم لا ينكرونه ضد الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي الذي كان اسمه المعسكر الاشتراكي، وكانت زيارات كبار قادتهم إلى واشنطن ولندن وعواصم الغرب كله بناءً على ذلك مستمرة ومتلاحقة، ولم تنقطع حتى بعد حرب قناة السويس، وحتى بعد عدوان يونيو عام 1967، وحتى في ذروة الثورة الجزائرية وثورة اليمن الجنوبي التي قادتها الجبهة القومية بالتحالف مع جمال عبدالناصر. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتوقُّف الحرب الباردة وجد «الإخوان المسلمون» أنهم غدوا بلا أي مهمة كونية فاستداروا لمواجهة من كانوا يتحالفون معهم، وتحالفوا مع باقي ما تبقى ممن كانوا يجاهدون ضدهم... وهذا هو الذي يفسر تأييدهم للرئيس العراقي السابق صدام حسين في آخر أيامه، وتحالفهم الآن مع نظام حزب البعث في سورية وعلى حساب الإخوان المسلمين السوريين وتحالفهم بالنسبة الى الأردن مع كل الأحزاب البعثية ومع كل انشقاقات الحزب الشيوعي... ومع كل من هبَّ ودبَّ... والمهم هو التشويش على النظام الأردني الذي وقف إلى جانبهم، عندما كانوا مطاردين في مصر وفي معظم الدول العربية. إنه أمر طبيعي أن تحدث كل هذه التململات داخل صفوف الإخوان المسلمين سواء في مصر أو الأردن أو في أي مكان آخر، فهذا الحزب تشكّل في مرحلة غدت بعيدة جداً وهي تختلف اختلافاً جذرياً عن هذه المرحلة، وهو ورغم كل التقلبات التي ضربت الكون كله، ومن ضمنه المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية، بقي يقف في مكانه وبقي يجترّ شعاراته الفضفاضة العامة، ولم يستطع تطوير نفسه ولم يتخلَّ عن «جهاد» الشعارات، ويتحول إلى جهاد البرامج، ولذلك فإن ما أصابه هو تحصيل حاصل لما أصاب كل الأحزاب التي أصيبت بداء «تليُّف» الأفكار، وكانت نهايتها الانقسام والتشظي والفرقة. لا الحزب الشيوعي «العظيم»! استطاع الصمود في وجه داء «تليُّف» الأفكار والمعتقدات، ولاحزب البعث الذي هو أبو الشعارات الصاخبة البراقة صمد كذلك، بل أصبح فِرَقاً وأحزاباً... وكل فصائل الثورة الفلسطينية أنجبت فصائل مضادة لها... ولذلك فإنه أمرٌ طبيعي ألا يبقى حزب الإخوان المسلمين صامداً كأيقونة مقدسة، فالإسلام على عظمته تحوّل إلى شيع وفرق، فكيف الأمر بحزب سياسي تحالف مع الغرب سنوات طويلة، ثم وجد نفسه بعد انتهاء الحرب الباردة وصراع المعسكرات على كل هذا الارتباك؟!* كاتب وسياسي أردني