Ad

بما أن التقرير حدد مواطن الخلل والضعف لدى الجيش الإسرائيلي فإن هذا من شأنه أن يحثَّ الدولة العربية بكل أجهزتها إلى رأب الصدوع، وتقوية «التفكير الاستراتيجي» الذي أشار إليه التقرير، وتكون المحصلة في النهاية دولة صهيونية أقوى مما مضى، وجيشاً قوياً مسلحاً تسليحاً جيداً، مقابل «حزب الله» والفلسطينيين والعرب أجمعين.

القارئ الواعي لتقرير «فينوغراد» يدرك بعد تمعن وتأمل، أن هذا التقرير ليس مفيداً لنا بقدر ما هو مضر بنا، وهو ضدنا -نحن العرب- وليس معنا للأسباب التالية:

-1 أن هذا التقرير يضخم جداً من قوة «حزب الله» العسكرية، وكأنه يدعو الدولة الإسرائيلية إلى الاستعداد بقوة فائقة، أكثر من ذي قبل لمواجهة ميليشيا هذا الحزب والثأر لحرب يوليو 2006، وهذا ما أدركه رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة حين علّق على هذا التقرير بقوله: «إن إسرائيل تستعد لحرب جديدة على لبنان»، وذلك لكي ترد الاعتبار والروح المعنوية العالية للجيش الإسرائيلي، وسوف يتكبد لبنان هذه المرة -فيما لو شُنت الحرب– خسائر أضخم مما خسره في حرب يوليو 2006.

-2 سوف يكون هذا التقرير مبرراً لإسرائيل لطلب مزيد من السلاح الأميركي، سواء كان البري أو الجوي أو البحري، وسوف يضغط اللوبي الصهيوني في واشنطن على الكونغرس وعلى الإدارة الأميركية لإعطاء إسرائيل المزيد من السلاح.

3- سوف يعود لبنان من جديد نقطة جذب وشد بين الدول العربية التي ستبدي المعتدلة منها عدم موافقتها ورضاها عن هذه الحرب وتحمّل «حزب الله» مسؤولية ذلك، كما تم في حرب يوليو 2006، وبالمقابل ستقوم الدول الممانعة في المنطقة كسورية وإيران باتخاذ موقف مضاد ومؤيد لـ«حزب الله»، مما سيترك أثراً سياسياً واقتصادياً سيئاً في الساحة اللبنانية.

4 - وبقدر ما حطَّ هذا التقرير من القدرة العسكرية للجيش الإسرائيلي، بقدر ما رفع -وبطريق غير مباشر- من القدرة العسكرية لـ«حزب الله». والإشادة بالقدرة العسكرية له، سوف تؤثر في الساحة اللبنانية تأثيراً كبيراً من حيث تصلّب «حزب الله» -ومن معه من حلفائه أيضاً- بمواقفه ومطالبه السياسية، وبالتالي تأزم الوضع اللبناني وتعقيد خيوطه أكثر فأكثر. وقد ظهر ذلك في لبنان منذ صدور التقرير «تصريح سليمان فرنجية لقناة «الجزيرة» في2/2/2008 بأن ميشال سليمان لم بعد مرشحهم المفضل، وأن عمرو موسى غير مقبول كوسيط».

5 - سوف يبدو الحلف الرباعي «حزب الله - سورية - إيران - حماس» بعد هذا التقرير أقوى مما كان، فتصوير قوة «حزب الله»، وتفوقه العسكري -المغالى فيه عمداً- على هذا النحو ليس خاصاً بـ«حزب الله» فقط ولكن بمن موّل هذا الحزب مادياً وبمن درّبه وسلّحه عسكرياً «إيران»، وبمن أمَّن له طريق السلاح وكل الدعم اللوجستي «سورية»، وبمن يُعارض نزع سلاحه بموجب قرار مجلس الأمن 1559 الصادر في 2005 «حلفاء حزب الله اللبنانيون».

6 - من الممكن أن ينفرط حزب «كاديما» نتيجة لهذا التقرير، خصوصاً في ظلِّ غياب مؤسسه وزعيمه «أرييل شارون»، ويعود أعضاؤه إلى حزبهم القديم «الليكود» ليشدّوا من أزره، وليمنحوا بنيامين نتانياهو فرصة العودة إلى الحكم كرئيس للوزراء. وفي هذه الحالة سوف تبتعد فرص السلام الفلسطيني–الإسرائيلي، والعربي–الإسرائيلي أكثر فأكثر.

7 - بعد هذا التقرير، سوف تزيد متاعب وآلام الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية عامة. ففي غزة سيكون الفلسطينيون بين سندان إسرائيل ومطرقة «حماس»، سندان إسرائيل الذي يريد جيشها أن يثبت للرأي العام الإسرائيلي بأنه قادر على تمريغ أنف الفلسطينيين «ممثلين بحماس المتضامنة والمتحالفة مع حزب الله» بالتراب، وإذلالهم، وتجويعهم، واكتساح غزة عسكرياً، واغتيال وقتل زعماء «حماس»، وتدمير قواعدها بالكامل ثأراً لكرامة الجيش الإسرائيلي، واستعادة لروحه المعنوية العسكرية.

8 - ذكر التقرير كلمة «الفشل» 190 مرة، وذكر كلمة «الإخفاق» 213 مرة، وقد فرح معظم المعلقين العرب الذين تناولوا هذا الموضوع لهذه الكلمات، وكانت كلمات تعليقاتهم تتوهج ابتهاجاً بنتيجة هذا التقرير. وهذا ما تنبأ به التقرير نفسه في الفقرة 45 حين قال: «نحن نعلم أن مقولات كهذه ستُفرح أعداءً، وستحزن أصدقاءً، ومن الممكن أن تثير خوفاً ويأساً. وعلى الرغم من ذلك لن نقلل في قيمة حالات الفشل والعيوب التي كانت، خصوصاً أن الكلام الصحيح والواضح على العيوب يسمح بإجراء التغييرات العميقة المطلوبة». ولكن المعلقين العرب لم يفطنوا إلى أن هذا التقرير كُتب ليس لدغدغة مشاعر العرب وشرح صدورهم وإدخال البهجة إلى قلوبهم، ولكن من أجل سد الثغرات التي أشار إليها التقرير، والذي كان تعبيراً عن وجود تقصير وقصور بنيوي في الدولة العبرية على مستوى القيادة السياسية والعسكرية، خصوصاً أن هذا التقرير قد استعمل عبارة ضعف «التفكير الاستراتيجي» عدة مرات. ففي الفقرة 40، يشير التقرير إلى مواطن العجز والضعف التي سوف تتلافاها الدولة العبرية بالقطع، ومنها على وجه التحديد:

• مواضع فشل وعيوب خطيرة في مسارات اتخاذ القرارات وفي العمل الأركاني للمستوى السياسي والمستوى العسكري، وفي العلاقة بينهما.

• مواضع فشل وعيوب جدية في نوعية الاستعدادات، والجهوزية، والإدارة وتنفيذ قرارات القيادة العليا في الجيش، وبشكل أساسي في القوات البرية.

• مواضع فشل وعيوب خطيرة في التفكير والتخطيط الاستراتيجي، سواء في المستوى السياسي أو المستوى العسكري.

• مواضع فشل وعيوب خطيرة تتعلق بالدفاع عن الجبهة الداخلية وبمواجهة استهدافها.

وهذا من شأنه أن يحثَّ الدولة العربية بكل أجهزتها إلى رأب الصدوع، وتقوية «التفكير الاستراتيجي» الذي أشار إليه التقرير، وتكون المحصلة في النهاية دولة صهيونية أقوى مما مضى، وجيشاً قوياً مسلحاً تسليحاً جيداً، مقابل «حزب الله» والفلسطينيين والعرب أجمعين.

9 - هذا التقرير، وبهذه القوة والاحترام والتقدير له من قبل الرأي العام الإسرائيلي الواعي والشجاع، وبهذه المتابعة من الأجهزة الحكومية، سوف يبعد ضعفاء الإدارة السياسية والعسكرية في إسرائيل عن صناعة القرار السياسي والعسكري، بعد أن يكون قد فرز الضعفاء عن الأقوياء، بحيث لا يبقى غير الأقوياء. وفي هذا متاعب كثيرة وجديدة للعرب عامة.

10 - ورد في هذا التقرير مصطلحات دقيقة ودالة مثل «نقاط الخلل في المبنى والثقافة التنظيمية لدى الجيش»، و«غياب التحديث المنهجي والمتعقل للمضمون الأمني الشامل للجيش»، و«الجيش لم يكن مستعداً وجاهزاً للحرب». وهذا يعني أن الدولة العبرية قد كشفت نقاط ضعف جيشها. وهو قوة لها وضعف لأعدائها. وهو ما سوف يتم إصلاحه حتى لا يظلّ الجيش في رأي بعض قادته يصوّر على غير حقيقته كما جاء على لسان إسحق رابين عام 1993، في حديثه لصديقه الأديب الإسرائيلي حاييم راز من أن الأسباب الرئيسة لموافقته على اتفاق أوسلو كان أن الجيش الإسرائيلي -برأيه- ليس قوياً بما فيه الكفاية، وكما يصوّره الإعلام الإسرائيلي والخارجي.

* كاتب أردني