Ad

فشلت بعض الصحف في اختبار الدفاع عن الحريات، لأنها في الأصل لا تؤمن بها، رغم أن المنطق يقول إنها من المفترض أن تكون خط الدفاع الأول عنها. فبعض الصحف لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى طريقة وأسلوب رجال أمن الدولة الشائن في التعامل مع الزميلين، بل لم تشر إلى القضية وتداعياتها منذ البداية، حتى كتابة هذه السطور.

حادثة القبض على الزميلين بشار الصايغ وجاسم القامس إضافة إلى أنها كشفت مدى السلبية المفرطة لتعامل أجهزة الدولة، سياسياً وأمنيا، مع قضية حساسة من حيث موضوع التهمة (الذات الأميرية)، أو من حيث شخوص القضية (صحافيين)... فهي جسدت حالة عامة تعيشها صحافتنا منذ سنوات، عندما تركت دورها الحيادي، ودخلت كإحدى أدوات الصراع السياسي، فعندما تقحم الصحافة نفسها في السياسة وتصبح شريكة في ذلك الصراع مع طرف ضد آخر، فإن أخلاق المهنة وأدبياتها تكون مجرد شعارات يسمعها الصحافي المبتدئ من رئيس قسمه في أول يوم عمل له.

جهاز أمن الدولة نجح في الوصول إلى الفاعلين الحقيقيين، وهذا ما كنا نريده وندفع نحوه بشدة، لكن قضية بشار وجاسم هي قضية دستور تم مخالفة نصوصه، وقانون ضُرب به عرض الحائط وحريات انتهكت، وهنا وعلى عكس نجاح أمن الدولة في اختبار كشف الفاعلين، فشلت بعض الصحف في اختبار الدفاع عن الحريات، لأنها في الأصل لا تؤمن بها، رغم أن المنطق يقول إنها من المفترض أن تكون خط الدفاع الأول عنها.

بعض الصحف لم تتطرق لا من قريب، ولا من بعيد إلى طريقة وأسلوب رجال أمن الدولة الشائن في التعامل مع الزميلين، بل لم تشر إلى القضية وتداعياتها منذ البداية، حتى كتابة هذه السطور، وبعضها الآخر عنون للحادثة بـ«أوقف جهاز أمن الدولة أمس الصحافيين ...»، وكأن رجال أمن الدولة شربوا القهوة في مكتب رئيس التحرير، وطلبوا حضور بشار وأطلعوه على إذن النيابة، ولم يخطفوه هو وزميله جاسم على طريقة أفلام هوليوود في شارع فهد السالم.

صحف أخرى مارست دوراً أكثر استفزازاً، فهي لم تكلف نفسها، وعلى مدى يومين كتابة سطرين عن الحادثة حتى ولو في صفحة الأخبار الأمنية، بينما بيان وزارة الداخلية الهزيل تم إبرازه في الصفحة الأولى بشكل لافت جداً لغرض في نفس يعقوب، لأن الأمر هنا يتعلق بمحاولة ضرب الداخلية ووزيرها، استجابة لأجندة خاصة لم تعد خافية على أحد.

وإذا استثنينا نقابة الصحافيين والمراسلين، فإن جمعيات النفع العام ذات العلاقة بالصحافة، وعلى رأسها «جمعية الصحافيين» الموقرة، لم تكن مواقفها أفضل حالاً من بعض صحفنا. فللوهلة الأولى توقعت أن تدعو الجمعية الصحافيين جميعهم في البلاد إلى اعتصام مفتوح في مبناها بالشويخ احتجاجاً على طريقة الاعتقال يستمر حتى الإفراج عن بشار، وأن تطلب نقل المهرجانات الخطابية من مقر التحالف الوطني في الروضة، إلى مقر الجمعية، فهذه قضيتها، وهذا دورها، وهذا يومها، لكن النتيجة كانت بياناً باهتاً لا لون له ولا طعم مشابه لما تعقده من مؤتمرات صحفية في مقرها بين فترة وأخرى لا يحضرها سوى المرافقين للشخصية المتحدثة.

وغير بعيد عن ذلك حاول بعض الكتاب في عدد من الصحف، الالتفاف على الموضوع باقحام الزميل بشار وجاسم في قضية المساس بالذات الأميرية، محاولين حصر الموضوع في «التهمة» وإغفال ممارسات جهاز أمن الدولة الخاطئة والقفز عليها، لكن الفزعة الإعلامية والنيابية والشعبية خلال الحادثة أصابتهم في مقتل، لاسيما أن الأمر متعلق بـ«الجريدة» ومحمد الصقر، وهنا تصيبهم حساسية مفرطة.

لأولئك نقول، لا أحد يزايد على حب سمو الأمير، فهو في قلوبنا وفي قلوب أهل الكويت جميعاً، هو وأفراد أسرة آل صباح الكرام جميعهم، خصوصاً لدى فئة الشباب الكويتي، نعم الشباب الكويتي المتقد حماساً للبذل والعمل بإخلاص من أجل الكويت، وبالذات في حقل الصحافة التي يشرفها أن ينتمي اليها شابان مثل بشار وجاسم، بعد أن بدأ بعض «عواجيزها» في ممارسة الردة على مفاهيمها وأدبياتها وقبل ذلك أخلاقياتها.