لهذا كانت زيارة بوش إلى الأنبار!!
أدرك الأميركيون أن السنّة رقم رئيسي جداً في المعادلة العراقية، وهم أدركوا أيضاً أن عمق السنّة العراقيين يمتد غرباً إلى شواطىء الأطلسي الشرقية وشرقاً إلى إندونيسيا وماليزيا فبادروا إلى تصحيح خطئهم الذي كان بمنزلة خطيئة قاتلة.
اختيار الرئيس الأميركي جورج بوش «الأنبار» لتكون عنوان زيارته الأخيرة إلى العراق ليس سببه الخوف بعد تعرض طائرة أميركية خلال إقلاعها من مطار بغداد للصواريخ، ولا إبداء الغضب العارم على حكومة نوري المالكي، ولا أي شيء مما قاله الذين صدَّقوا أن الإمبريالية نمر من ورق وأن الجيوش الأميركية بدأت تحزم أمتعتها استعداداً لرحيل أسوأ من رحيلها عن فيتنام في عقد سبعينيات القرن الماضي. لم يأتِ الرئيس بوش إلى «الأنبار»، وهو في طريقه إلى «أستراليا»، وبصحبته أركان إدارته الأساسيين كلها، ليقطع الطريق على التقرير المنتظر المتعلق بأوضاع العراق الذي من المفترض أن يرسله إلى الكونغرس الأميركي سفير الولايات المتحدة في بغداد وقائد القوات الأميركية في بلاد الرافدين... فهذه مسألة لا تستحق زيارة كهذه الزيارة وجورج بوش كان بإمكانه التعامل مع هذا الموضوع وهو في مكتبه في البيت الأبيض. إن هدف هذه الزيارة هو تمتين الصلات الجديدة الناشئة مع السنة العرب، فالخطأ القاتل الذي ارتكبه الأميركيون، إلى جانب الأخطاء الكثيرة الأخرى التي أوصلت الأمور إلى كل هذه الأوضاع الكارثية المتزايدة والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، هو أنهم وافقوا على عزل هذه الفئة العراقية الرئيسة وانساقوا مع كذبة أن هؤلاء هم الذين حكم صدام حسين باسمهم، ولذلك فإنهم يجب أن يدفعوا الثمن غالياً ويجب أن يعاملوا على أساس معادلة الغالب والمغلوب، وأنهم هم المغلوبون مثلهم مثل النظام السابق. كان هذا هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه الأميركيون واستمروا به حتى فترة سابقة قريبة... هذا مع أن الحقائق التي لم يحاولوا البحث عنها، مع أنها كانت في متناول أيديهم، تقول إن حجم الشيعة في حزب «البعث» كان يصل إلى ستة وسبعين في المئة والدليل على هذا أن من بين الخمسة والخمسين من القادة البعثيين التي عُمِّمَتْ أسماؤهم كمطلوبين، هناك ثمانية وثلاثون من بينهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية الكريمة. لم يكن صدام حسين لا شيعياً ولا سنياً ولا عربياً ولا كردياً ولا صابئياً مندائياً، وهو لم يكن أيضاً بعثياً، لقد كان صدام حسين فقط سنياً إذا أراد مواجهة الشيعة، وهو كان شيعياً إذا أراد الانتقام من السنة، وهو كان عربياً من أجل تحشيد العرب ضد الأكراد، فالمسألة عنده هي صدام فقط، ولهذا فإنه لم يكن يتوانى عن ذبح رفاقه البعثيين وتعليقهم على أعواد المشانق عندما كان يشعر أنهم يشكلون خطراً على فرديته ودكتاتوريته وزعامته. لقد وقع الأميركيون في الكمائن التي نصبها لهم صغار العقول الذين ظنوا أن لحظة الثأر التاريخي قد حانت وأنهم يجب أن يستغلوا الظروف والمستجدات ليثأروا، والمشكلة أن الأميركيين لم يدركوا هذه الخديعة إلا بعد أربع سنوات عجاف... لكنهم وفي كل الأحوال أدركوها وإن متأخرين، والمثل يقول «أن تأتي متأخراً خير من ألاَّ تأتي أبداً»، فبادروا إلى الانفتاح المتلاحق على «الأنبار» وعلى العشائر والقبائل السنية التي لولاها لما جرى تنظيف هذه المنطقة التي كانت مثل شوكة في الحلق من «القاعدة» ومن كل التدخلات الخارجية التي كانت تعمل وتقتل وتدمر باسم «القاعدة». أدرك الأميركيون أنه لا استقرار ولا هدوء مع استمرار إقصاء السنة ومعاملتهم معاملة المنتصر للمهزوم، وأدرك الأميركيون أن السنة رقم رئيسي جداً في المعادلة العراقية، وهم أدركوا أيضاً أن عمق السنة العراقيين يمتد غرباً إلى شواطىء الأطلسي الشرقية وشرقاً إلى إندونيسيا وماليزيا فبادروا إلى تصحيح خطئهم الذي كان بمنزلة خطيئة قاتلة، وقاموا بتلك الانعطافة التي أعادت الوضع ليقف على قدميه بدل أن كان يقف على رأسه... ولذلك وفي هذا الإطار جاءت زيارة الرئيس بوش الأخيرة إلى «الأنبار». * كاتب وسياسي أردني