Ad

كلي أمل أن تعودنا الذكرى في الأعوام المقبلة وقد تخلصنا من جرثومة الغزو، فصنعنا «كويتاً» أجمل... وصرنا نعيش في مجتمع أكثر تراحماً وتقارباً واطمئناناً... وننعم وأولادنا وأحفادنا بالوجود في عالم أكثر استقراراً وخيراً.

اليوم الخميس، الثاني من أغسطس، ذكرى الغزو العراقي للكويت... اليوم يشابه ذلك اليوم بأكثر من مجرد التاريخ، فقد كان يوم خميس أيضا، ولعله يشابهه بأشياء أخرى!

سبعة عشر عاما مرت منذ حصول تلك الكارثة، أحجمت عن أن أكتب خلالها مقالا مباشرا واحدا حول الموضوع، لا لشيء إنما لأني لم أجرؤ على ذلك، فحادثة الغزو كانت وستبقى بما ارتبط فيها وما تكاثف حولها في داخل النفس أكبر من كل الحروف والكلمات، وأصعب من كل محاولات التعبير والتحليل، لذا كنت وفي كل مرة أحاول أجده من العسير جدا أن أتحدث عنها بمقال!

حادثة «اثنين ثمانية» كما نسميها نحن الكويتيين بالعامية، مختزلة في داخل نفسي بصوت انفجار عظيم، كان هو أول ما استيقظت عليه صبيحة ذلك اليوم، حين قامت الطائرات المعتدية بقصف لموقع قريب من منزلنا مما أحدث دويا هائلا لا يزال يتردد صداه في طيات ذاكرتي! أذكر أني يومها، وقد كنت لاأزال يافعا، قدت سيارتي وصولا إلى الدائري الخامس بقرب قصر بيان، وهناك وللمرة الأولى في حياتي رأيت الموت على حقيقته بعدما كنت أسمع عنه وأشاهده في التلفاز!

رأيت جنديا كويتيا ملقى على الأرض وقد أسلم الروح بطلقة في رأسه والدم يفور سائلاً على وجهه! لحظتها وفي تخبطات ذهولي وصدمتي شعرت أني كبرت عشرين سنة في لحظة!

حادثة «اثنين ثمانية» وبالرغم من صغر حجمها في مقاييس الحروب التي ذاقت ويلاتها شعوب العالم منذ الأزل ولاتزال تكتوي بنيرانها، غيرت وجه تاريخ هذه المنطقة، وربما العالم بأسره. فالظروف والملابسات الإقليمية والعالمية من بعد «اثنين ثمانية» ليست هي ذاتها التي كانت قبلها، وموازين القوى واتجاهات الاصطفاف الدولية كلها أعيد ترتيبها من بعد تلك الحادثة. من بعد «اثنين ثمانية» لاحت في الأفق فوراً أمارات زوال أنظمة... زالت منها أنظمة بالفعل، وأخرى في الطريق، والبقية تترقب، ولا أحد في عصمة!

والكويت من بعد «اثنين ثمانية» لم تعد نفسها التي كانت قبلها... بأهلها وسكانها وشوارعها ومبانيها... وبسياستها داخليا وخارجيا... شاعت من بعد التحرير في أوساطنا، نحن الكويتيين، موجة إيجابية لفترة من الزمن، لعلها كانت امتداداً لروح التلاحم والتقارب التي احتوتنا بمختلف مشاربنا وتوجهاتنا خلال فترة الاحتلال، ولكنها سرعان ما خبت، وتلاشت، وكأن «اثنين ثمانية» كان جرثومة خملت لبعض الوقت، لكنها استيقظت ونشطت فصارت تجول بيننا وفينا عبر الهواء الذي نستنشق... من ذلك الحين وكل أحوالنا ليست على ما يرام، فهل رحل الغزو بالفعل يا ترى؟!

لم أكن لأكتب عن «اثنين ثمانية» لأن مقالا لن يكفي، ولذلك لا أظنني بهذا المقال كتبت ما يفي هذه الحادثة التي أصابت كل شيء فينا ومن حولنا حقها في التعبير والتحليل، ولا أظنني سأكتب عنها مرة أخرى، لكن كلي أمل أن تعودنا الذكرى في الأعوام المقبلة وقد تخلصنا من جرثومة الغزو، فصنعنا كويتاً أجمل... وصرنا نعيش في مجتمع أكثر تراحماً وتقارباً واطمئناناً... وننعم وأولادنا وأحفادنا بالوجود في عالم أكثر استقراراً وخيراً!