Ad

هذا أمر يثير الشفقة حقاً، ويكشف بالفعل عن أن بعضنا، هداهم الله، فرسان بلا قضية يعانون فراغاً فكرياً، فتراهم يعيشون هائمين في البحث عن أي قضية، وسرعان ما ينخرطون حتى في مبارزة أعمدة الإنارة ومصارعة حاويات القمامة، ظناً منهم أنها معركتهم الموعودة، وعدوهم المنتظر!

البُهرة، تلك الفئة المسالمة، التي عاشت بين ظهرانينا بهدوء واطمئنان لسنين طويلة، تتعرض اليوم وبشكل متواصل لهجمة إعلامية شرسة، حتى صار يخيل لمن يقرأ صحافتنا هذه الأيام بأنه لا تشغل الكويت قضية أخطر من البُهرة ومسجدهم الذي تمنوا على الحكومة الموافقة على بنائه!

تثير الحيرة بالفعل كل ما يحيط بهذه الضجة التي أثيرت، ويثير الحيرة أكثر بعض الزملاء الذين جعلوا من هذه القضية قضيتهم الأولى وشهروا في وجهها أسلحتهم وانشغل بعضهم بكتابة مقالات عديدة لتفنيدها، في حين تعج الساحة بما هو أجدر بالانتباه، ولست بهذا القول أصادر حق أحد في الكتابة في ما يحلو له، وملء مساحة زاويته بما يريد، ولكنه مجرد استغراب من هذا الإسهاب الغريب في قضية بسيطة، إن لم تكن مختلقة أصلاً، ومن الكتابة عنها بهذه الحدة والشراسة!

ولا أدري كيف يعجز بعضهم عن أن يدرك أن المسألة ليست في ما إذا كان البُهرة على الإسلام من عدمه لينشغلوا بالكتابة في هذا الجانب. هذه الجماعة في كل الأحوال، واحدة من اثنتين: إما أن تكون من المسلمين، ولها حينئذ أن تطالب بمسجد لأفرادها، حالها في ذلك حال بقية المسلمين من سنة وشيعة، وإما أن تكون على غير ذلك، ولها بذلك أيضا أن تطالب بمعبد يجتمع فيه أفرادها لإقامة شعائرهم الدينية أيا كانت، حالهم في ذلك حال النصارى وكنائسهم مثلاً، ليبقى الأمر في النهاية منوطاً بالقانون للنظر في طلبهم وفقاً لما هو صحيح ومناسب.

لكن أن يصبح الشغل الشاغل لبعضهم هو الكتابة في مواضع الخلل في عقيدة البُهرة، وأن يقضي وقته للنبش في الكتب لتبيان ابتعادهم عن الإسلام الصحيح، فهذا أمر يثير الشفقة حقاً، ويكشف بالفعل عن أن بعضنا، هداهم الله، فرسان بلا قضية يعانون فراغا فكريا، فتراهم يعيشون هائمين في البحث عن أي قضية، وسرعان ما ينخرطون حتى في مبارزة أعمدة الإنارة، ومصارعة حاويات القمامة ظناً منهم أنها معركتهم الموعودة وعدوهم المنتظر!

دين الإسلام، هذا الدين السمح العظيم، لم يأمرنا بمهاجمة عقائد الناس كائناً من كانوا، وما أكثر الناس وما أكثر عقائدهم، فما بالك بالمسالمين منهم، كأولئك الذين لم يأتنا منهم إلا كل خير عبر سنوات طويلة مثل جماعة البُهرة.

الإسلام، الذي ندين به، أمرنا بالإحسان إلى كل بني آدم، ودعوتهم إلى الخير والهدى بالحسنى، ومن المستحيل أن يندرج ما يكتبه بعضهم هذه الأيام في حق البُهرة تحت هذه المبادئ السمحة، ولا أستبعد أن هذه النفسية الشرسة وهذه الأقلام الحادة التي افترست هذه الفئة المسالمة المنكفئة على نفسها، قد تدفع بعضهم بذلك إلى اتخاذ موقف معاد من هذا المجتمع الذي كشف لهم فجأة عن كل هذا المقدار من البغضاء والكره وعدم التسامح! فيا سبحان الله!

بلدنا بالنهاية بلد قانون، لذلك وبعيداً عن هذا الضجيج وهذا الغبار الذي يثيره «مصارعو حاويات القمامة»، يجب أن يتعامل من بيده الأمر مع قضية مسجد البُهرة وفقاً للقانون، وعلى من لا يعجبه ما ستؤول إليه الأمور حينها أن يفعل كما يقول المصريون «مطرح ما يحط رأسه يحط رجليه»!