هل قتلوا بوتو لكي لا يلعن الله الباكستان؟

نشر في 02-01-2008
آخر تحديث 02-01-2008 | 00:00
 د. شاكر النابلسي

كما جرَّت «القاعدة» أميركا إلى الأرض التي ترغب في محاربة أميركا عليها، فقد جرّت عملاء أميركا «بوتو» إلى الباكستان لتصفية حسابها معها. وكانت حكمة «القاعدة» تقول: لا تذهب إلى الطيور بعد 2001، بل دع الطيور تأتي إليك، وسيكون صيدها أسهل، وهكذا كان.

نجح تنظيم «القاعدة» حتى الآن، في أن يختار أرض المعركة التي تدور رحاها بينه وبين أميركا على وجه الخصوص، فقد نجح في أن يسحب أميركا إلى أفغانستان أولاً، لكي يحاربها على أرضه، ونجح في أن َيجُرَّ أميركا إلى العراق لكي يحاربها على أرض العراق، والتي هي بالتالي أرضه، لأنها أرض معركة، قريبة من القوى التي تؤمِّن له السلاح والرجال والتدريب «الدعم اللوجستي» وكذلك المال. فأنصاره ومحاربوه في أفغانستان والعراق، لا يحتاجون إلى أن يقفوا على أبواب القنصليات الأميركية في طوابير طويلة، ويخضعوا لتدقيق «FBI» أو «CIA» لكي يحصلوا على التأشيرة اللازمة لدخول أميركا من دون أسلحتهم، لكي يحاربوها على أرضها، كما فعلوا في الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولكن علينا أن نعلم أن مثل هذه الكارثة الفظيعة من الصعب أن تتكرر مرة أخرى. حيث كوارث التاريخ الفظيعة لا تتكرر دائماً، فكارثة بيرل هاربر في عام 1942 من الصعب أن تتكرر، كذلك كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولو أرادت اليابان أو «القاعدة» أن تكررا هاتين الكارثتين اللتين لا يمكن فصلهما عن سياقهما التاريخي والسياسي والأمني لما استطاعتا إلى ذلك سبيلاً.

إذاً، وجدت «القاعدة» أن أفضل الطرق والفرص للمزيد من إذلال أميركا و«بهدلتها» على النحو الذي يجري الآن في أفغانستان والعراق، هو في جرِّ أميركا إلى أفغانستان والعراق، حيث يتوافر المال، والسلاح، والدعم اللوجستي، والإعلام الطنّان، وهكذا تمَّ الأمر، وبغض النظر عن الدوافع المختلفة لغزو أفغانستان والعراق. وحتى إن لم يكن لـ«القاعدة» يدٌ في ذلك، فهذا هو ما تمَّ. وهذا من حُسن حظِّ «القاعدة» في حقيقة الأمر، وهو ما أطال عمر «القاعدة» في هذه السنوات الست 2001-2007، وجعلها القوة الإرهابية الأولى في المنطقة والعالم، التي يخشاها الجميع من القوي والضعيف، ومن الفقير والغني، ومن البعيد والقريب.

بوتو العصفورة والصيادون المتربصون

كان الكل يعلم أن بينظير بوتو 1953-2007 رئيسة وزراء باكستان السابقة، وزعيمة «حزب الشعب» الباكستاني، ابنة الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو 1928-1979 التي كانت تقيم في مهجرها، في الإمارات العربية المتحدة، بعد أن غادرت باكستان عام 1998 ، من أنصار السياسة الأميركية في الباكستان، ومن أنصار العلمانية الباكستانية، ومن ألد الأعداء السياسيين للأحزاب الدينية الباكستانية، التي تُعتبر «طالبان» و«القاعدة» في أفغانستان امتداداً لها. وكل هؤلاء يقفون في صف واحد وجبهة واحدة ضد أميركا في المنطقة.

ففي حملة الانتخابات التي كانت ستتم في الثامن من يناير الحالي قال القاضي حسين أحمد أمير «الجماعة الإسلامية»: «حكامنا تحت غطاء أميركي لا علاقة لهم بأرض وطنهم الأم. أعضاء الحركات الإسلامية جنود لله، ولا يمكن لأحد أن يسد طريقهم للوصول إلى هدفهم النبيل وهو إقامة الحكم الإسلامي على الأراضي الباكستانية».

وقال مولانا سميع الحق رئيس «جمعية علماء الإسلام»: «نحن سنطرد جميع العملاء الأميركيين من وطننا».

وقال العلامة ساجد النقوي رئيس «الحركة الجعفرية» المحظورة: «سنقوم موحدين بإبادة الحكم الغاصب على أراضينا».

وهؤلاء جميعاً ضد ولاية المرأة كما هو معروف، ويتمسكون بحرفية الحديث النبوي: «لعن الله قوماً ولّوا أمرهم امرأة». وهو حديث يُساء دائماً تفسيره حيث يُنتزع من سياقه التاريخي الذي كان بمناسبة تولّي بوران ابنة الإمبراطور أنو شروان الفارسي الحكم بعد أبيها في بلاد فارس الذين كانوا يعبدون النار في القرن السابع للميلاد.

كذلك، وإضافة إلى أن بوتو امرأة، تسعى إلى الولاية «منصب رئيس الوزراء»، فقد كانت بوتو من المعارضين الأقوياء للمدارس الدينية السياسية في الباكستان وعددها يتراوح بين 40 إلى 50 ألف مدرسة «تقديرات معهد بروكنجز بواشنطن» في حين تقول باكستان، على لسان وزير الشؤون الإسلامية والحج، إن عددها كان 12500 مدرسة فقط في عام 2005.

وهي التي قالت في إحدى خطبها الحديثة: «إن هناك المدارس الدينية السياسية، التي تُعلّم تلاميذها كيف يصنعون القنابل، وكيف يستخدمون البنادق، وكيف يقتلون النساء، والأطفال، والشيوخ». وهذه المدارس تعتبر ماكينات تفريخ الإرهابيين الصغار الذين سرعان ما ينضوون تحت لواء «القاعدة» وفي صفوف «طالبان»، حيث لا عمل لهم غير هذا. و«تلاومت» بوتو في مناسبات كثيرة على حكومة مشرّف، لأنها لم تستطع حتى الآن القضاء على الإرهاب، وطالبته بإغلاق هذه المدارس.

وعندما قررت بوتو العودة إلى الباكستان، وخوض المعركة الانتخابية التي كانت مقررة في الثامن من يناير الحالي، أيقنت «القاعدة» أن العصفورة سوف تأتي إلى الشجرة «إلى حتفها» التي يختبئ تحتها القناصون الإرهابيون، الذين كانوا يعتبرون بوتو رسول أميركا إلى الباكستان، وهي التي وعدت في حال فوزها في الانتخابات بأن تسمح للطائرات الأميركية بقصف الأهداف التي يشتبه في أن «القاعدة» موجودة فيها، وهي خطوة يتردد مشرّف باتخاذها خوفاً من الشارع الديني الباكستاني الذي يتهمه بالتعاون مع أميركا ضد «القاعدة».

فكما جرَّت «القاعدة» أميركا إلى الأرض «أفغانستان والعراق» التي ترغب في محاربة أميركا عليها، فقد جرّت عملاء أميركا «بوتو» إلى الباكستان لتصفية حسابها معها. وكانت حكمة «القاعدة» تقول: لا تذهب إلى الطيور بعد 2001، بل دع الطيور تأتي إليك، وسيكون صيدها أسهل. وهكذا كان.

لا حيرة في معرفة القاتل

وقعت أول محاولة لاغتيال بوتو في التسعينيات، وقام بها «رمزي يوسف» الموجود الآن في سجن أميركي لقيامه بأول محاولة لتفجير مبنى «وورلد تريد سنتر». ويُعتقد أن أسامة بن لادن كان متورّطاً في تلك المحاولة الأولى. وكانت بوتو هدفاً دائماً للعسكريين الذين أعدموا والدها للاستيلاء على السلطة. كما كانت هدفاً للإسلاميين بصفتها «امرأة» كما قلنا، ولأنها تمثّل حزباً ليبرالياً وديموقراطياً وعصرياً. ولكن بوتو ظلّت، حتى العام الحالي، شخصية مرفوضة من الإدارة الأميركية التي كانت تفضّل التعاون مع العسكر، ومع الجنرال مشرّف تحديداً.

لا حيرة في معرفة قاتل السيدة بوتو، فبعد مقتلها بساعات قليلة، أعلن تنظيم «القاعدة» بكل فخر واعتزاز، عن تبنيه مسؤولية اغتيال زعيمة «حزب الشعب» المعارض. وقال زعيم تنظيم «القاعدة» في أفغانستان مصطفى أبو اليزيد، إن قرار الاغتيال اتخذه الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في شهر أكتوبر الماضي، وأكد أن تنفيذ العملية تم عبر شخصية متبرعة تنتمي إلى خلية بنجابية.

وهكذا وفرت «القاعدة» على العالم، وعلى إعلام العالم البحث عمن هم وراء هذه الجريمة، ولو فعل من قتلوا رفيق الحريري الشيء ذاته، لوفروا على لبنان والعالم كل هذا الشقاء، وكل هذه الفوضى المدمرة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط خاصة.

* كاتب أردني

back to top