لا أمل على الإطلاق أن يكون هناك تفاهم بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي الإيراني، لكن مع ذلك تبقى هناك إمكانية كبيرة للتساوُم والاتفاق فيما بينهما على بعض الأمور الأخرى في إطار ما يمكن أن يطلق عليه «لعبة الأمم»، وفي نهاية المطاف سيكون الخاسرون، بصورة كلية أو جزئية، هم العرب.أمرٌ طبيعي أن يواجه أهل هذه المنطقة «المـُهارَشَة» الأميركية–الإيرانية بالمخاوف والشكوك، فالأميركيون لهم مطالب على المدى القريب وعلى المدى البعيد، والإيرانيون لهم تطلعات وطموحات وأطماع، والمشكلة أن ما يطلبه هؤلاء وما يطالب به أولئك هو من حساب وعلى حساب عرب هذه المنطقة، ولذلك فإنهم يشعرون بأن هناك صفقة، بل مؤامرة، يتم إبرامها من وراء ظهورهم.
الأمور واضحة وضوح الشمس، وهي لا تحتــاج إلى «ضاربة ودع» ولا إلى «برَّاجة» أو «بصَّارة»، فالإيرانيون يريدون إطلاق يدهم في هذه المنطقة لتصبح مجالاً حيَّوياً لهم، وهم يريدون أيضاً إغماض العيون عن مشروعهم النووي الذي اقترب من الكفاءة العسكرية، والأميركيون يريدون تهدئة في العراق تضمن لهم رحيلاً «كريماً» من هذا البلد الذي أصبح كـ «عشِّ الدبابير»، وهم يريدون تعاوناً جاداً للقضاء على «القاعدة» وعلى «طالبان» وعلى ظاهــرة الإرهاب كلها.
فهل هذا ممكن...؟!
نسمع دائماً أنه لا مستحيل في عالم كرة القدم، والحقيقة أنه لا مستحيل في عوالم السياسة، فهناك شيء اسمه لعبة الأمم ولذلك فإن الأمم عندما تلعب لعبتها، قبل كل حرب كونية أو إقليمية أو بعدها، فإن صفقات حقيرة يتم إبرامها وأنه، وكما جرت العادة، تكون هناك دول خاسرة ودول رابحة ويكون دائماً هناك ضحايا، ولقد كان العرب ضحية تقاسم الخرائط والمجالات الحيوية بعد الحرب العالمية الأولى ثم بعد الحرب العالمية الثانية.
ربما لا يستطيع الأميركيون والإيرانيون الاتفاق على النقطة الأساسية، التي هي نقطة الملف النووي، فهذا الأمر تتقاطع عنده عوامل كثيرة أهمها العامل الإسرائيلي، وواشنطن لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن تتجاوز هذا العامل فالانتخابات الرئاسية مقبلة والإسرائيليون قادرون على تأدية دور مؤثر ومقرر في هذه الانتخابات.
لكن هذا يجب ألا يُفهم على أنه لا توجد حلول وسط بين المـُتحاورين، وأن الفشل المحتم سيكون النتيجة، التي لانتيجة غيرها، بالنسبة لهذا الحوار فهناك سقوف عليا وهناك سقوف دنيا، ولعبة الحوار تقتضي رفع السقوف في البدايات ثم بعد ذلك يأتي دور المساومات والتنازلات المبادلة... وهكذا إلى أن يكون اللقاء في منتصف الطريق.
لا أمل، وعلى الإطلاق، أن يكون هناك تفاهم بالنسبة للملف النووي الإيراني فما يمكن أن يشكل حداً أدنى للإيرانيين يشكل حداً أعلى للأميركيين والعكس صحيح أيضاً، ولكن ومع ذلك تبقى هناك إمكانية كبيرة للتساوُم والاتفاق على بعض الأمور الأخرى؛ كأن تتساهل طهران وتقدم تنازلات، ولو مؤقتة في العراق، مقابل الاعتراف لها بدور إقليمي في فلسطين وفي لبنان وفي مناطق أخرى كثيرة.
لا يمكن معرفة كل ما دار بين الإيرانيين والأميركيين في المفاوضات الأخيرة وفي المفاوضات التي سبقتها، فالإيرانيون أهل «تقيِّة»، كما هو معروف، والأميركيون الذين دفعتهم مصالحهم إلى القبول بالعقيد القذافي بعد كل تلك الأعوام من التباغض والاحتراب معروفون بـ «براغماتيتهم» ولذلك فإنه على أبناء هذه المنطقة أن يُبقوا أيديهم على قلوبهم إلى أن تتضح أبعاد هذه الصفقة التي يتم إعدادها والتي ستكون لعبة أمم جديدة ستكون نتيجتها مستفيدين وخاسرين، والمؤكد أنه إذا تمت هذه الصفقة، وبأي شكل من الأشكال، وإن بصورة كلية أو بصورة جزئية، فإن العرب سيكونون هم الخاسرون!!
كاتب وسياسي أردني