Ad

يمكن لجمعية الصحافيين الكويتية ونقابة الصحافيين المصريين إقامة مهرجان الردح الصحفي وتتناوب استضافته العاصمتان الشقيقتان، ولا بأس من وجود درع يمنح لـ«أردح» كاتب في الموسم! ومن يدري؟! فقد ينال هذا الـ«أردح» جائزة «نابالم» الدولية في الردح العابر للقارات!

-قارئ الصحف والمجلات المصرية والكويتية يظن أن حرب «داحس والغبراء» تدور رحاها بين كتاب مقالات «الردح» ولا أقول الرأي، وأصحاب الزوايا والتكايا والدكاكين التلاسنية! وهي آخذة في التمادي، ومستمرة في التفاقم، تزيدها تقنيات الاصطياد في المياه العكرة تردياً وتعقيداً، وأحسب قارئها سيصاب بالصداع والمغص وما خفي أنكى وألعن!

ولعل القارئ يلاحظ نشوء صحافة يمكن نعتها بصحافة التلاسن واتصال الردح! أعني بخاصة: صحافة مصر المحروسة، وصحافة الكويت المهووسة بالسجال! ولا أعرف إذا كان يحق لقارئها الهتاف على طريقة نظارة السينما الرديئة قائلين «صحافة أونطة... هاتوا فلوسنا... وأعيدوا اشتراكنا».

ذلك أن قارئ الصحف لن يقرأ في مقالات الرأي سوى مقولات الردح، والنميمة، والتنابذ بالألقاب وما إلى ذلك من عدة ومفردات ديوان الهجاء العربي الثري المتنوع المتجدد دوماً! أو «ديوان العرب الجديد» إن شئت!

- من هنا يبدو لي أن أقسام وكليات الاتصال بالجامعات العربية مطالبة بابتداع منهج دراسي يكرَّس لتعليم أدوات ووسائل وتقنيات صحافة الردح والتلاسن... والذي منهما! كي يكون الصحافي الخريج جاهزاً لأداء مهمته «الإبداعية» في «حق» التلاسن والردح والسجال الخاوي!

ويمكن لجمعية الصحافيين الكويتية ونقابة الصحافيين المصريين إقامة مهرجان الردح الصحفي وتتناوب استضافته العاصمتان الشقيقتان، ولا بأس من وجود درع يمنح لـ«أردح» كاتب في الموسم! ومن يدري؟! فقد ينال هذا الـ«أردح» جائزة «نابالم» الدولية في الردح العابر للقارات!

إن من واجب الصحافة وحقها الدفاع عن حقوق مواطنيها، ومتابعة همومهم والسعي إلى تذليل المشكلات التي يكابدونها، لكن الغريب هنا أن يتحول هذا الحق أو الواجب إلى وصلة ردح وسباب وتجريح في الشعب كله، لمجرد أن عضواً واحداً منه أخطأ وزل، وهو في سبيله إلى المحكمة بين يدي قاض عادل.

- من هنا تأتي أهمية الافتراض بأن الغضبة المصرية المدججة بالردح والقدح تنطوي على أسباب ومبررات قد تتجاوز السبب المعلن الذي أقام الدنيا ولم يقعدها. ثمة حاجة -والأمر كذلك -إلى حوار خبراء من البلدين الشقيقين يسبران أغوار الأسباب التي أفضت إلى ظهور صحافة الردح واتصال التلاعن وغيره. إذ يبدو أن هناك أسباباً عديدة قديمة متراكمة، يجدر بالباحثين عن الحقيقة معرفتها وإعلانها، ومن ثم السعي إلى علاجها بطرق سوية صحية خشية أن يغرق الجميع في مستنقع الردح!

وقد تغدو الحاجة ماسة جداً إلى تدخل الجامعة العربية علَّها تسهم بجهودها «المكوكية»، المراوحة في مكانها، في التخفيف من وطأة وحدة صحافة التلاسن عبر إقامتها حوارا عربيا-عربيا مكرَّسا لبحث وتحليل ظاهرة صحافة التلاسن المتكاثرة كما الفطر، المتناسلة كالأرانب... مع الاحترام الشديد للأرانب طبعاً!

- إن جميع منتسبي صحافة التلاسن يعرفون -ولا شك- المقولة الإعلامية الشهيرة التي باتت قاعدة ذهبية يهتدي بمتنها البليغ عامة الكتاب الصحافيين وخاصتهم «الخبر مقدس، والرأي حر»، لكن صحافة التلاسن؛ تنفي هذه القاعدة الذهبية، ولا تحفل بمعناها البتة، لأنها لا تتواءم مع مهمتها المتبدية في الاصطياد في المياه العكرة، وتأزيم الأمور بمداد الغضب الأعمى، وحبر الحمية العصبية العصابية.. والعياذ بالله!

ومن نافلة القول الإشارة إلى أن صحافة التلاسن لم تولد من فراغ، ولم تخرج من عدم، بل لها أسباب شتى تراكمت بفعل الزمن وما يحدث فيه من ممارسات خاطئة تستوجب التقييم والتقويم سعيا إلى العلاج الناجع. لكني -صراحة- لا أعوِّل كثيراً على اختفاء وغياب صحافة التلاسن من فضاء صحافتنا الوطنية والعربية في القريب العاجل أو الآجل! إنها أحد تجليات القبح والرداءة اللذين تزخر بهما حياتنا الثقافية اليومية ولا فخر!

من هنا أقترح على جمعية الصحافيين الكويتية ونقابة الصحافيين المصريين إقامة مهرجان ردح صحفي «مهرجان عكاظ الهجائي» تستضيفه العواصم والحواضر العربية بتواتر سنوي معروف. وقد يحتاج المهرجان إلى تقديم درع لـ«أردح» صحفي عربي. هذا إذا قبل الدرع نفسه هذه المهمة! ربما لأنه درع لردع الردح ووأده لا إشاعته!

ولعل زبدة هذه «الهذرة» تتبدى في أن مصالحة ذواتنا تفضي بنا -بالضرورة- إلى مصالحة الآخرين ومصافحتهم من القلب. بهذا المعنى فإن الذي يكره الآخرين يكره نفسه بالضرورة!