Ad

البرادعي وضع يده على الجرح وقال كلمته التاريخية والوجدانية والمهنية بعد تقص مضن وزيارات مكثفة وتحقيق دؤوب: «لم نعثر على أي انحراف نحو التسلح لدى إير ان وما تبقى يمكن حله بالتروي والحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات» في إطار ما بات يعرف باتفاق الشفافية وأي طريق آخر يفتح باب جهنم على الجميع!

ثمة لغط مقصود ومتعمد يجري الترويج له عن سابق وعي وإصرار من قبل الدوائر الإسرائيلية والأميركية بشكل خاص، والغربية بشكل عام, و»بتغطية» إعلامية عربية مكثفة أتمنى أن لاتكون مقصودة وواعية! وهي أن إيران «متهمة» فيما يخص مسار ملفها النووي وبالتالي فإن المطلوب دولياً نصيحتها ودفعها للتعقل أولاً ومن ثم تأنيبها على استمرارها في «فعلتها» النكراء! وتالياً معاقبتها كلما تمادت في «غيها» النووي وإذا ما تطلب الأمر تعزيز العقوبات إلى درجة العزل التام لعلها «ترعوي» وتستجيب للإملاءات والقرارات التي باتت دولية بالطبع. ولما كانت القرارات في مثل هذه الحالات عادة ما توضع في سياقات الفصل السابع الذي بات هذه الأيام بمثابة سلاح رائج للتلويح به ضد «المتمردين» على «المجتمع الدولي» فإن آخر الدواء الكي!

على هذه الخلفية الكاذبة والملفقة والمحرَّفة نسمع منذ أشهر تنامي قرع طبول الحرب الأميركية والإسرائيلية ضد طهران ويتم الضغط المتزايد على قوى المنطقة حكاماً وشعوباً وقوى مجتمع مدني وأهلي من أجل ترهيبهم جميعاً من أخطار الحرب وإرعابهم من تداعياتها الخطيرة جداً ـ وهي ستكون خطيرة بالفعل لو حصلت- وأخيراً وليس آخراً «حشر إيران في الزاوية»، كما يقال، إما التنازل عن حقها الطبيعي المكفول لها حسب المعاهدات الدولية في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية وفي مقدمتها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية- وهي الدولة الموقعة عليها منذ أكثر من ثلاثين عاماً وزادت على ذلك بالتوقيع والعمل التطوعي والإرادي بما يسمى بالبروتوكول الملحق حتى قبل ان يقره برلمانها- وإما أن تتهم بأنها ستكون المسؤولة عن جر المنطقة الى جنون الحرب!!

لا عجب من الغرب، لاسيما الأميركي والإسرائيلي، إن فعل ذلك فالدنيا عنده - خصوصاً في زمن ما يروجون له من صدام الحضارات ونهاية التاريخ والمدنية الغالبة- أن يمضي قدماً في هذا المسار على خطى تجربة العراق القذرة والوحشية واللاخلاقية وغير العادلة حتى النهاية!

لكن العجب، كل العجب، من أخواننا وأهلنا من كبار الكتاب والمؤلفين والمثقفين والخبراء ومذيعي نشرات الأخبار والمذيعات الذين أتابعهم بألم وغصة وهم يكررون ذلك السيناريو كله، ويساهمون «من دون أن يدروا»، في غالبيتهم على الأقل، ليس في الحملة الظالمة على إيران فحسب، بل وفي إيذاء أيضاً بلدانهم وأوطانهم التي لاشك يحبون!

فترى هذا يطالب إيران بإعمال العقل، وذلك يطالبها بالعودة إلى رشدها، وثالث يتمنى عليها من أجل الجيرة أن تتوقف عن المضي في الطريق المدمرة! وكلهم ودائماً يلحون عليها بالتخلي عما يؤكدون على انه «مشروع للقنبلة النووية» من أجل إنقاذ المنطقة! وهم لا يعلمون وإن كنت أعرف أن غالبيتهم يعلم علم اليقين، بأن الكذبة المتكررة إنما هدفها السيطرة على منابع النفط الإيراني بعد نفط العراق وإكمال الطريق إلى بسط الهيمنة الكاملة والشاملة على المنطقة!

بينما المطلوب وقفة شجاعة من جميع من في هذه المنطقة العربية والاسلامية، ولو لمرة واحدة؛ في وجه الجاسوس الكذاب الذي يعرفه الجميع، وهو أولئك الحفنة من المرتزقة المتورطين أصلاً في عمليات إرهابية ثابتة بحقهم وهم لا ينكرونها، وهو ما دفع بالدول الغربية مجتمعة لوضعهم على لائحة المنظمات الإرهابية الممنوعة, ممن يسمون كذباً وزوراً «بمجلس المعارضة» مرة و»بمجاهدي الشعب» مرة أخرى؛ وفي وجه المصدق للكذاب لأنه أكذب منه ولأغراض دنيئة باتت معروفة، كما اشرنا آنفا, وبالتالي إسدال الستار على هذا الملف الشيطاني وسحبه من التداول نهائياً! عندها فقط سنشهد كيف أن طبول الحرب ستتوقف وإلى الأبد في منطقتنا المظلومة من عدوها ومن أهليها!

البرادعي وضع يده على الجرح وقال كلمته التاريخية والوجدانية والمهنية بعد تقص مضن وزيارات مكثفة وتحقيق دؤوب: «لم نعثر على أي انحراف نحو التسلح لدى إير ان وما تبقى يمكن حله بالتروي والحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات» في إطار ما بات يعرف باتفاق الشفافية وأي طريق آخر يفتح باب جهنم على الجميع!

لمصلحة من إذن هذا اللوم والعتاب والتأنيب اليومي لإيران؟! ولمصلحة من هذا التصديق المستمر للكذاب ومصدق الكذاب؟!

ولمصلحة من إشاعة أجواء الخوف والرعب والهلع في المنطقة من دون أي دليل أو برهان؟!

ثم أليست القاعدة الشرعية والقانونية والعرفية بأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر؟ وقد أفاضت إيران من معروفها على المجتمع الدولي فضلاً عن الجوار بأن قدمت البينة تلو البينة بأنها بريئة مما يدعون ويكذبون؟! وهاهو البرادعي لم يعد شاهداً فقط، بل وصار شهيداً بعد أن قررت المخابرات الغربية فتح النار عليه من دون هوادة!

المطلوب إذن موقف للتاريخ يغلق أبواب جهنم، وليس الهلع من المروجين لها بالكذب والتزوير!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني