بين حمادة عزو... وأحمد زويل

نشر في 15-10-2007 | 00:00
آخر تحديث 15-10-2007 | 00:00
 ياسر عبد العزيز

أخشى أن يُبلَّغ الرئيس بوش بالمعلومات المتوافرة عن طريق «عزو» و«هند علام»، وفي هذه الحالة سنتوقع ضربة عسكرية غاشمة لـ «مدينة الإنتاج الإعلامي»، تهدم المبنى ذاته الذي تم تصوير المسلسلين فيه، وتعيدنا إلى المربع الأول، وتتركنا من دون الرادع النووي المأمول.

نحن لا نقف خارج إطار المنافسة العالمية مكتوفي الأيدي؛ فلدينا عزم ماضٍ وطاقة فعل لا تنضب، وهو الأمر الذي مكنّنا من اللحاق بركب الأمم المتقدمة عالمياً، وثبّتنا في مواجهة المخاطر التي تفرضها أطماع الجيران إقليمياً، وبرهن على قدرتنا على مواكبة التقدم في شتى المجالات... درامياً.

نعم، فمنجزنا الحضاري من المسلسلات خير شاهد على ما قدمه هذا الجيل للأمة من مقومات المنعة والتفرد والزهو، وهو منجز خالص في ذاته إنتاجياً وتسويقياً؛ فليس ثمة من يشاركنا في صنعه، وكذلك ليس هناك من يحظى باستهلاكه سوانا.

ومن ذلك أننا حققنا في مسلسلاتنا كل ما تصبو إليه أرواحنا وأرواح أجدادنا، وآخر الفتوحات ما حدث في رمضان من هذا العام، إذ دخلنا «النادي النووي» من أوسع الأبواب الدرامية، وقد تأكد هذا تمام التأكد، ليس فقط عبر «هند علام» ولكن أيضاً من خلال «حمادة عزو».

و«حمادة عزو» لمن لا يعلم، يحظى اليوم بنحو 50 ألف نقرة على محرك البحث جوجول Google، وهو بذلك يتفوق على كل علماء الطاقة النووية العرب مجتمعين. وإذا أنت كتبت عبارة «يتربى في عزو» بين مزدوجين على محرك البحث ذاته، فستظهر لك النتائج عبر نحو مئة ألف نقرة، وهو رقم مقارب لما سيظهر لك إذا كتبت اسم «أحمد زويل» في الموضع نفسه.

وإذا كان «عزو» غني عن التعريف، فإن أحمد زويل بحاجة إليه، فهو ليس إلا أول عربي يحصل على جائزة نوبل في العلوم، وقد أمضى نحو ربع القرن في معمل بالولايات المتحدة الأميركية محاولاً اكتشاف «الفيمتوثانية»، وتوج مجهوده بالفوز بالجائزة الأشهر والأهم عالمياً في عام 1999. ورغم ضخامة الإنجاز الذي حققه هذا العالم، فإنه لم ينجح طوال نحو ثماني سنوات سوى في معادلة شهرة «حمادة عزو»، الذي لم يظهر لنا سوى في مطلع الشهر الفضيل الذي انصرم تواً.

ومن خلال «حمادة عزو» و«هند علام» وأبطال آخرين في أكثر من «ملحمة» درامية بتنا نعرف أننا قاب قوسين أو أدنى من امتلاك القدرة النووية، وأن الدول الغربية، التي تتمتع بقوى غاشمة من البهتان والجور، تبذل قصارى جهدها لمنعنا من تطوير تلك القدرة، بما يمكننا من استخدامها في الأنشطة الحياتية كلها.

ووفق «عزو» و«علام»، فنحن نمتلك العلماء القادرين على تطوير تلك المعرفة، وتحويلها سلاحاً ملموساً سواء في معارك التنمية أو الصراع المسلح، كما نمتلك البنية واللوجستيات اللازمة لبلورة تلك المعرفة في صورة منتج جاهز للاستخدام، وبالطبع نمتلك قبل ذلك كله إرادة الفعل، والقدرة على حمايته.

وما نفعله هنا من خلال تلك المسلسلات يدخل في باب «التعويض الدرامي»، إذ نحارب الفساد في المسلسلات، فيسقط المسؤول الفاسد، والضابط الذي يساعده، ورجل الأعمال اللص، ومعهم بطانتهم ومن زينوا لهم ارتكاب السوء، ويتمتع الأخيار بعيشة هنيئة ينتصر فيها الحق على الباطل مهما كان عاتياً وراسخ الأقدام.

إذن فقد لاحظ كتاب الدراما أن إسرائيل تعربد في المنطقة، معتمدة على تفوقها النوعي، وامتلاكها السلاح النووي، وأن إيران تدخل سباقاً مع النفس والزمن، وتحدياً صارخاً مع أقوى الأمم والمنظمات في سبيل تطوير قدرتها النووية، وأن العرب يتابعون «في قلق»، وغاية أملهم أن يواصلوا متابعة السجال على حواف الحلبة من دون أن تمتد شظاياه فتلوث بياض أثوابهم أو تزعج أحلامهم الدرامية.

وفي ذلك يقول أمل دنقل «لقد أفهمتكم مراراً أن الطوابير التي تسير في أعياد الفطر وعيد الجلاء فتزغرد لها النسوة في الشرفات انبهاراً لا تصنع انتصاراً»، لكن صناع الدراما العرب، ونحن معهم، لم نفهم بالطبع.

ثمة مستويان رئيسان للتعرض الى الدراما أحدهما هو مستوى المشاهدة، فنحن نجلس ونشاهد ونتابع ما يجري مستمتعين أو مبددين للوقت، والمستوى الآخر هو مستوى الاعتماد، فنحن قد نعتمد على ما نشاهده في الحصول على معلومات وتكوين آراء ومواقف وربما بناء سياسات، وهنا مكمن الخطر.

فقد شاهدنا على مر العصور أفلاماً ومسلسلات عن حقبنا التاريخية كلها وحتى لحظتنا الراهنة، وإذا طبقنا مستوى الاعتماد على ما رأينا فتلك كارثة كبرى، فقد تسيدنا العالم سابقاً بالسطوة واليوم بالقيم، وبيبرس لم يقتل قطز، بل كانا وفيين لبعضهما بعضاً حتى آخر لحظة، والخلفاء لم يظلموا يوماً، والصحابة لم يقتتلوا أبداً، والحق ينتصر على الباطل دوماً، والقنبلة النووية على بعد خطوة واحدة ولا حائل دونها سوى تربص الغرب وإسرائيل بنا.

أخشى ما أخشاه اليوم أن يصدق أبناؤنا كما صدقنا نحن. أو أن تصدق الأجهزة التي زودت البيت الأبيض الأميركي بالمعلومات عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، والقدرات النووية السورية، والقنبلة الإيرانية هذا اللغو، فتبلغ الرئيس بوش بالمعلومات المتوافرة عن طريق «عزو» و«هند علام». وفي هذه الحالة سنتوقع ضربة عسكرية غاشمة لـ «مدينة الإنتاج الإعلامي»، تهدم المبنى ذاته الذي تم تصوير المسلسلين فيه وتعيدنا إلى المربع الأول، وتتركنا من دون الرادع النووي المأمول.

العزاء أن كتيبة المجاهدين الدراميين لن تتوقف عن كفاحها، وحتى يتم بناء المبنى المدمر، فإن مشروع القدرة النووية لا شك سيستكمل، حتى لو اقتضى الأمر أن يتم إنتاجه «سينمائياً» لحين عودة الحياة للمسلسلات.

والله غالب على أمره.

* كاتب مصري

back to top