لم أتفاجأ أبداً باستقالة وزراء حكومة الترقيع، فقد كتبنا مراراً مثلما كتب الكثير من الكتاب و قلنا إن هذه الحكومة ولدت ميتة لأنها تشكلت على أساس خاطئ، و ما بُني على باطل فهو باطل. وأثبت هذه التجربة أن النيّات لم ولن تكون كافية لإحداث إصلاح حقيقي في البلد.
فسمو رئيس الوزراء أتى بنفس إصلاحي وبشهادة الجميع، لكن أسلوب اختياره للوزراء وطريقة عمل حكومته لم تكن موفقة بتاتاً. فقد تصدى هو شخصياً لبعض مصادر النفوذ لكنه لم يكسب قوى الإصلاح بنفس الوقت بسبب تشكيلة وزارته. فعادة تقوم القوى الأكثر تمثيلاً في البرلمانات بالاجتماع والاتفاق على أجندة مشتركة، حتى يتم تشكيل حكومات قوية تحظى بدعم الأغلبية البرلمانية. ومتى ما تحقق ذلك، فلن تضر هذه الحكومات حتى مئة استجواب مادامت تستند إلى أساس صلب. أما حكومتنا فلم تتشكل على أسس وبرنامج واضح بل تشكلت على أساس (القص واللزق) مع عزوف الكفاءات عن العمل الوزاري بسبب عدم وجود ظهر لهم في المجلس. ولذلك كان الهم الأساسي في تشكيل الحكومات المتعاقبة ليس البرنامج بل سد النقص الموجود، وأوضح مثال على ذلك هذه الحكومة وبالأخص محاولة إيجاد وزير للصحة. ولذلك رأينا الحكومة تصاب بالشلل مع أي استجواب وتقوم بتضييع كل وقتها في البحث عن سبل النجاة لإنقاذ وزرائها.ولأن الحكومة تشكلت بالخلطة (القرقيعانية) العجيبة، لم يكن غريباً أن تتأخر عن تقديم برنامج عملها أشهراً فوق المهلة الدستورية لأن وزراءها لم يكونوا فريقا متجانسا. ولذلك رأينا عجزها وتخبطها في تطبيق القوانين بدأ من قوانين الإصلاح الرياضي، حيث تركت أندية التكتل تسرح وتمرح إلى أن أوقعتنا في فخ حظر أنشطتنا الرياضية الدولية. ثم جاءت قضية شركة أمانة التي تبين من خلالها أن بعض الوزراء أرادوا توريط الحكومة ورئيسها بهذا الملف في مواجهة المجلس.و بعدها جاء موضوع الكوادر وزيادة الرواتب حيث أجّلت إقرارها بحجة الأخذ برأي البنك الدولي، وتبين أن كل ذلك كان ضحكاً على الذقون بعد أن تم (تطنيش) رأي البنك لأنه لم يكن متوافقاً مع مزاج الحكومة. ثم جاءت قضية التأببين عندما استطاعت الأجهزة الإعلامية لسراق المال العام اختطاف البلد بكامله وسط مباركة الحكومة التي ركبت الموجة من خلال البيانين المتناقضين اللذين لم يفصلهما سوى ساعة ونصف. وانكشف أيضا تناقض أركان الحكومة بالتعامل مع هذا الملف حيث وجدنا رئيس الوزراء يقول إن النائبين سيد عدنان وأحمد لاري (عيالنا) بينما تقوم إحدى وزاراته باتهام النائبين بمحاولة قلب نظام الحكم! وبعد ذلك كان تراجع الحكومة عن قرار إزالة الدواوين (بغض النظر عن صحته من خطئه) و ذلك بعد إدارة سيئة وتسويق أسوأ لهذا الملف الحساس. فبسبب كل هذه الأحداث، خسر رئيس الوزراء دعم قوى المصالح الخاصة، وما تملكه من نواب (الريموت كنترول) وخسر قوى المعارضة في نفس الوقت. وبات من الواضح جداً (ومن خلال تجارب الحكومات الثلاث السابقة) أنه لم يعد من الممكن تشكيل حكومة قوية تهتم بالتنمية وقيادة الدولة من دون أن تكون القوى السياسية (أو بعضها على الأقل) ممثلة فيها بالأغلبية المطلقة، بحيث تقوم هذه القوى بالاتفاق على أجندة مشتركة مع رئيس الوزراء المكلف وتمضي في تطبيق هذا البرنامج بدعم الأغلبية البرلمانية من دون الخوف من الاستجوابات. أدرك أن المجلس ليس مثالياً لأنه آخر إفرازات نظام الـ25 دائرة المقبور، لكن قدوم مجلس جديد لن يحلّ المشكلة مادامت الحكومة تشكل على نفس الأسس القديمة البعيدة عن نتائج صناديق الانتخابات.
مقالات
قلناها من زمان لكن عمك أصمخ
20-03-2008