إن عمرو موسى الدبلوماسي العريق، الذي كان يمشي كما الطاووس حينما كان وزيراً لخارجية مصر، يعرف تمام المعرفة أن مشكلة لبنان إقليمية، وأن حلها لا يمكن أن يكون إلا إقليمياً، وأنه لا يمكن أن يكون مثل هذا الحل إلا إذا ضُرب هؤلاء المتدخلون في الشؤون اللبنانية على يدهم.
غير مطلوب من «جامعة الدول العربية» وغير متوقع منها أن «تشيل الزير من البير» وأن تتصدى لكل الإشكالات والعُقد والتعقيدات التي تواجه العرب وتغرق بها هذه المنطقة، لكن حتى لا يزداد الناس خيبة، بالإضافة إلى خيباتهم المتفاقمة، فإنه على هذه «الجامعة» ألا تضع على كاهلها عبئاً لا تستطيع النهوض به والمثل يقول «على قد غطائك مِدّ رجيلك». كل المصائب التي تدخلت فيها «الجامعة»، والحق ليس عليها، بقيت بلا حلول ولو بالحدود الدنيا، بل إن بعضها تفاقم وتأزم والسبب أن حالها، سابقاً ولاحقاً، لا تشبهها إلا حال المرحوم حسن صبري الخولي الذي كان ما إن تشتعل النيران في أطراف ثوب عربي حتى يحركه جمال عبدالناصر للتوسط والوساطة، ولكنه بقي يعود كما ذهب ولم تحل ولو مشكلة واحدة. الآن عاد أمين عام هذه الجامعة عمرو موسى، الذي ينطبق عليه القول: «العين بصيرة واليد قصيرة» بالفعل ، إلى لبنان مرةً أخرى ليحل ليس عقدة واحدة، وإنما أكثر من ألف عقدة، وهو يعرف سلفاً أنه سيعود هذه المرة خاوي الوفاض، كما عاد في المرة السابقة، فالمسألة أكبر منه وأكبر من الجامعة العربية وربما أنه يملك على هذا الصعيد الرغبة، ولكنه لا يملك القدرة فـ «الجامعة» لا تستطيع بحكم وضعها وتركيبتها أن تضرب العربي، الذي يتدخل في شؤون أخيه، على يده والقول له «إلزم حدَّك»... وإلاَّ لما كان الكويتيون في حاجة للاستعانة بالأجنبي عندما غزاهم صدام حسين وألغى دولتهم. قبل أن يذهب عمرو موسى الى لبنان سواء في المرة الأولى أو في المرة الثانية، كان يعرف أن حل مشكلة لبنان ليس في يد إميل لحود، ولا في يد فؤاد السنيورة، ولا في يد أي طرف من أطراف المعادلة المذهبية، لا البطريرك صفير، ولا المفتي القباني، ولا عبدالأمير قبلان، ولا بالطبع وليد جنبلاط ونبيه بري وحسن نصرالله وسمير جعجع، ولا أيضاً الجنرال عون. إن عمرو موسى الدبلوماسي العريق، الذي كان يمشي كما الطاووس حينما كان وزيراً لخارجية مصر، يعرف تمام المعرفة أن مشكلة لبنان إقليمية، وأن حلها لا يمكن أن يكون إلا إقليمياً، وأنه لا يمكن أن يكون مثل هذا الحل إلا إذا ضُرب هؤلاء المتدخلون في الشؤون اللبنانية على يدهم وطلب منهم الكف عن تدخلاتهم تحت وطأة التهديد بضربة أخرى ...بل بضربات أخرى. وحتى بالنسبة للموقف الكسيح والهزيل الذي اتخذته الجامعة العربية وقررت بموجبه تشكيل لجنة لتقصي حقائق المأزق الفلسطيني، الذي وصل بعد انقلاب «حماس» في غــزة الى مرحلة «فالج لا تعالج» ، فإنه مضحك مبك،ٍ وشر البلية ما يضحك، فأي تقصٍّ للحقائق وكل شيء واضح وضوح الشمس فالمشكلة ليست هناك في غزة، وإنما في «المال الحلال»، وفقاً لتوصيفات السيد حسن نصرالله وإنه في هاتين العاصمتين اللتين اخترعتا «فتح – الإسلام» وتسببتا في مصيبة «نهر البارد»، كما كانتا تسببتا في مصيبة العراق وفي مصائب أخرى كثيرة! إن عمرو موسى الدبلوماسي المخضرم والسياسي المحنك يعرف هذا، ولكن مع ذلك فإنه يواصل هذه الوساطات الخائبة... فلماذا ...؟! إنه تحرك مــن أجل التحرك، ومن أجل رفع العتب وإثبات الوجود والقول إن «الجامعة» هنا، وهي لاتزال على قيد الحياة! كاتب وسياسي أردني
مقالات
مجرد رفع ٍ للعتب
23-06-2007